
التجربة الأمنية للواء/ بابكر الديب .
في العام 1903ولد بابكر الديب بامدرمان حي زريبة ود الكاشف ،( الكاشف تعني رجل الإستخبارات المكلف بالاستطلاع اي الكشف والإفادة ) والديب هو لقب لجده الأكبر يوسف عبد المحسن .
بعد اجتيازه إمتحان السكرتير الإداري التحق بابكر الديب بالبوليس ضابطا ، وأكثر عمله كان في المباحث حيث أظهرنبوغا وتميزا .
مع اشتداد تظاهرات الخريجين ضد الاستعمار البريطاني رأى نظام الحكم إلحاق إدارة الأمن بالبوليس بدلا عن الاستخبارات العسكرية ، لأن البوليس اقدر على التعامل مع المدنيين ، كان ذلك في العام 1942 .
كلف الضابط الانجليزي مستر/ بيني بتاسيس الإدارة الامنية الجديدة واختار لها اسم الفرع المخصوص او الخاص .
اول من الحق من ضباط المباحث كان الرائد / بابكر الديب ثم النقيب/ ابراهيم حسن خليل .
تلك كانت فترة تحديد المهددات الأمنية وما يناسبها من هياكل داخل وخارج العاصمة الخرطوم ، وترشيح الضباط وما يناسبهم من مهام .
كلف الرائد / بابكر الديب بملف الخريجين وقيل أنه إعتدى بالضرب على الزعيم الشاب وقتها / اسماعيل الازهري ، واستعان الديب ببعض الملازمين من بينهم احمد ابارو ، وكان الفضلي يخاطبه عبر مكبر الصوت قائلا : ( ابارو يا خائن يا اجنبي يا ربيب الإستعمار ) ، فيهتاج ويطلق على المتظاهرين الغاز المسيل للدموع ، ويامر العسكر بضربهم بهراوات مكتوب عليها الموت .
اما النقيب/ إبراهيم حسن خليل فكلف بملف الجبهة المعادية للاستعمار ( التنظيم الشيوعي ) كونه استغل في صباه لتوزيع المنشورات وإنزال البلاغات التنظينية مقابل قيادة بسكليته ( دراجة هوائية ) تتبع لمدرسة الكادر السري ، فدمرهم تدميرا فاصابوه بحديدة في ام راسه ، وكان الشيوعيون يلقبونه بابراهيم بابيونة ، نظرا لربطة العنق الفرنسية التي كان يستخدمها .
ثم اختير النقيب المسيحي/ لويس سدرة لإدارة ملف المتعاونين النصارى وأغلبهم كان من الاقباط .
والنقيب/ عبد الرحمن محجوب وهو من المحس ، لملف شمال السودان .
والرائد/ بخاري لغرب السودان ، وآخرين للشرق والجنوب والوسط .
والشئت شعبة للتنصت على المحادثات الهاتفية يقال له ( السنسر )، واخرى لمراقبة البريد والبرق واللاسلكي .
وشعب لرصد ومراقبة الجاليات والسواح والزائرين والقنصليات والعيئات الدولية والفنادق والموانئ .
عين مستر/ كوتس عوضا عن مستر/ بيني مديرا للفرع المخصوص فاجاد وطور وارتقى بالفرع أمنيا واداريا .
نال بابكر الديب تدريبات في اسكوتلاند يارد وفي فرنسا والمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية ونال دبلوما في القانون من بريطانيا ، واجاد اكثر من لغة وطاف بدول العالم في مهام أمنية لصالح المخابرات الخارجية البريطانية MI6 ، وللمخابرات البريطانية MI5 متى تعلقت المهمة بالمستعمرات البريطانية.
في العام 1949/ 1950 كلف بابكر الديب بملف الإخوان المسلمون إضافة إلى ملفه الأصلي.
وكان للاخوان اجتماعات دورية يعقدونها في مسجد الخرطوم الكبير ، فاختار صف ضابط لاختراقهم فرفض بحجة ان ذلك حرام ، فعوقب .
احد صغار الموظفين واسمه / غازي احمد مصطفى وهو عضو في تنظيم الإخوان، دس منشورا معاديا للحكومة وجهاز الامن في درج مكتب بابكر الديب قبل حضوره في الصباح ، لكنه بعدما عاد بدقائق معدودة اجتمع مع نائبه ومساعديه وتوصلوا للفاعل ورفتوه من الخدمة على الفور ، لكنهم لم يحرموه من مستحقاته المالية .
عقب استقلال السودان 1956 أصبح العميد / بابكر الديب مديرا للفرع المخصوص والعقيد / ابراهيم خليل نائبا له .
إن أول زيارة قام بها رئيس الوزراء/ اسماعيل الازهري كانت للفرع المخصوص واشاد بادائه قائلا : لقد قمتم بواجبكم على أكمل وجه .
صدر قرار بتعيين (د) مساعدا للوكيل الدائم لشؤون الامن ولم يحدث ان عمل يوما في الأمن او البوليس ، فشك كل من الديب وإبراهيم خليل في الأمر ووضعا منزله ومكتبه وتحركاته تحت المراقبة والرصد ، فاتضح انه يخفي جواسيس خواجات من الجنسين في منزله ، فشكوه ورفت من منصبه .
كان بابكر الديب حاد الذكاء كثير الاطلاع، اختار أصغر غرفة في رئاسة البوليس مكتبا له نوعا من التمويه ، كان يحب استخدام الدراجة الهوائية للرياضة عصرا وأحيانا يأتي بها إلى مكتبه .
استطاع اختراق البعثات الدبلوماسية والدولية والجاليات بواسطة اسر مسؤوليها .
بعد اكتمال تكوين وزارة الخارجية وتسمية السفارات ، اختير بابكر الديب بعد ترقيته لرتبة اللواء، سفيرا للسودان لدى مصر ثم وكيلا لحكومة السودان بالقاهرة .
بينما رقي ابراهيم حسن خليل لرتبة العميد/مديرا للفرع المخصوص .
عاد السفير اللواء/ بابكر الديب من مصر بعد إكمال مدته فعينه الفريق/ ابراهيم عبود مستشارا أمنيا للمجلس العسكري .
بعد تقاعده غادر إلى بيروت وسكن في شقة بمنطقة سوق الغرب وهي من أجمل بقاع لبنان ،
ثم أقام مع أسرته في مصر .
توفي إلى رحمة مولاه في العام 1983 .
بالمناسبة زوجة بابكر الديب الأولى هي عمة اللواء / فارس عبد الله حسني مدير الاستخبارات العسكرية الأسبق وقد استفاد من تجاربه كثيرا ،وما تعلمه فارس من الديب علمني إياه .
د. طارق محمد عمر .
الخرطوم في يوم الاثنين 14 يوليو 2025 .