
اكثر الناس شبها برسول الله النبي محمد عليه افضل صلاة وتسليم .
مطلع ثمانينيات القرن الماضي وانا طالب جامعي تتلمذت على يد الشيخ / علي موسى لتعلم تجويد القرآن الكريم وتلاوته ، ثم تعلمت الفقه المالكي على يد العلامة / ناصر بلال بالمسجد الإدريسي، وناصر هو التلميذ الأول لجدي الشيخ / علي أدهم .
بعد عدة دروس علم الشيخ بصلتي بمعلمه علي أدهم ، فلما حضرت للدرس لاحظت عليه شئ من القلق فلما سلمت وجلست قال لي : علمت انك حفيد شيخي على أدهم ، وقبل ان يخيروني عرفت ذلك من ملامحك ودقة أسئلتك . ما ان انتهى الدرس وفرغنا من صلاة العشاء حتى امسك بيدي إلى حيث السيد / محمد الحسن الإدريسي وعرفني به ،فتهلل وجهه واعلمني انه من تلامذة جدي ، ورغم فارق السن صرنا إخوة في الله ، التقيه ثلاث إلى اربع مرات في الأسبوع فيجلسني على كرسي شماله بينما يجلس من هم أكبر مني سنا فوق سجادة بسطت على الارض وكنت استحي من ذلك .
ذات يوم وانا جالس إلى جواره جاء المداح واخرجوا الطبول والدفوف فانتهرهم ان اعيدوها إلى مكانها .
كان عالما بالفقه المالكي وكنت اتابع صلاته وهو يتنفل فاذا هي تطبيق عملي لما درست .
حدثني عن الفقه الإسلامي وعلوم الشرع ونشر الدعوة ،وعن الحكم وما يتعلق به من كفاءة وتخصص وطهر وعدل .
مثلما حدثني عن معهد ام درمان العلمي وعلمائه الاجلاء .
وتناول الزراعة في السودان واهميتها وتوطين زراعة القمح .
تحدث عن الاحزاب السياسية واسباب فشلها في ادارة دفة الحكم ، وأسر لي باعجابه بدكتور / ترابي وانه اي الترابي ووفد من القيادات قد زاروه وتخاوروا معه في شأن الدين والحكم .
لم يحدثن عن التصوف ولم يعرض علي الطريقة الادريسية فلم اجد اجابة لذلك ولم اسأل ..
ذات مرة رأيت ثلاث من الشباب المتعلم يجلسون تخت كرسيه فانتهرتهم وقلت لهم : هذا عيب ولايليق بكم ، فنهضوا وابتسم .
من حين لآخر يرسل الشيخ في طلبي نهارا لمساعدته في بعض الأمور ومن ذلك زيادة حصة الخلوة من الخبز لان المصدق للطلاب لايكفيهم او لتوظيف شخص في القطاع الخاص ونحو ذلك .
ذات مرة ارسل في طلبي وعندما وصلت قالوا لي ان الشيخ في الخلوة ، ولما علم بحضوري قال لهم ادخلوه .
وجدته مستلقيا على سجادة وحوله احفاده وابناء إخوته دون الخامسة من العمر وهم وهو في فرح شديد ، مثلما كان يفعل النبي محمد صلوات ربي وسلامه عليه مع حفيديه الحسين والحسن ، كان ذلك درسا لي في رحمة الصغير ومعاملة الناس حسب أعمارهم وافهامهم .
في يوم من الايام طرق باب منزلي احد طلاب الخلوة وقد كبر وتخرج في جامعة القرآن الكريم وطلب مني الحاقه بخدمة الأمن، لمعرفتي به ولتقديري للشيخ اوصيت بقوله فقبل فورا ،وتقاعد برتبة لواء وترك سيرة عطرة. وكان نورا للدين والأخلاق .
لما نعى النادي شيخي / ناصر بلال هرعت ومعي زملاء الحلقة إلى منزل الشيخ شمال المسجد الإدريسي، وكلما عددت ارملته مآثره في العلم والورع وصلة الرحم والكرم وحسن الخلق اشتد بنا البكاء ، ونحن على ذلك الحال اذا بالشيخ / محمد الإدريسي يهرول نحونا كالصبي ، حافي القدمين وقد سقطت العمامة من على راسه وهو يبكي أشد البكاء ، فكاد يغمى علينا من شدة النحيب .
ذات الهرولة فعلها علي كرم الله وجهه عندما أخبر بوفاة أبي بكر الصديق خليفة رسول الله .
وقد وري جثثمان شيخي ناصر الثرى بمقابر حمد التيل بعد أن صلى عليه الشيخ الإدريسي ، وقبر إلى جوار شيخه علي أدهم، عدت إلى منزل والدي فنمت من شدة الرهق فرايت في منامي شيخي ناصر بملابس اهل الجنة وهو يحث الناس على الصلاة .
آخر لقاء لي مع الشيخ / محمد الحسن الإدريسي كان في مقابر حمد التيل حيث حضر لتشييع احد اهل الموردة ، وجدته جالسا على مسطبة محيطه بأحد القبور فهرعت لتحيته فنهض تواضعا من جلسته وحياني ببشاشة وشوق شديد .
ولما توفاه الله هرعنا إلى المسجد الإدريسي وصلينا عليه وقبر جثمانه الشريف في مقبرة خاصة باهله جوار المسجد .
كانت وفاته تعني غياب عالم عابد ورع وحكيم وهب نفسه لله .
قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين .
د. طارق محمد عمر .
الخرطوم في يوم الأربعاء 9 يوليو 2025 .