
في خضم لحظة وطنية فارقة، حين تتزاحم الأزمات على الأبواب ويقف الوطن على حافة الألم، اختارت ولاية الجزيرة أن تصنع الفرق لا بالكلام، بل بالفعل؛ أن تُنقل الإرادة في حافلة، وأن تُحمَل الكرامة على ظهر باص، وأن يُعبر طلاب الشهادة السودانية إلى امتحاناتهم لا وحدهم، بل تحفهم أيادٍ حانية من مجتمعهم، وأذرعٍ أمنية ومدنية تشاركهم الحلم
والي الجزيرة، الطاهر إبراهيم الخير، لم يكتفِ بتوجيه القرار أو إطلاق التصريحات، بل كان حاضرًا في تدشين مبادرة ترحيل الطلاب، مؤمنًا بأن القائد الحقيقي هو من يسير في أول الركب لا من يكتفي بمراقبته ، حضوره لم يكن شرفيًا، بل دليلاً قاطعًا على أن التعليم بالنسبة لهذه الولاية ليس ترفًا، بل معركة لا تقل شرفًا عن المعارك التي خيضت في الميدان
وجاءت هذه المبادرة تتويجًا حقيقيًا لروح “الجزيرة”، التي ترفض أن تُكسر حتى في أقسى الظروف، وشهادةً بأن المجتمع إذا تكامل، لن تقف أمامه العقبات، مهما بلغ حجمها
لكن الوقفة الكبرى في هذا المشهد يجب أن تكون لجهاز المخابرات العامة، ليس فقط على مستوى ولاية الجزيرة، بل على مستوى القيادة العليا، فقد أثبت هذا الجهاز، بتوجيهات الفريق أول أحمد مفضل، أن دوره لم يعد محصورًا في الظل، بل أضحى ركنًا أصيلًا في دعم المجتمع، وحماية جبهته الداخلية، وتثبيت دعائم الإستقرار حتى في أدق تفاصيله، من تأمين المراكز إلى التنسيق اللوجستي، كان حضور المخابرات هادئًا لكنه فعال، ثابتًا لكنه واسع الأثر
إن ترحيل أكثر من 38 ألف طالب وطالبة إلى 545 مركزًا للامتحانات، وتأمينهم، وإسنادهم لوجستيًا، ليس مجرد عملية نقل، بل رسالة وطنية مكتملة الأركان: أن لا أحد سيُترك خلف الركب، وأن أبناء السودان، في أي ظرف، لن يواجهوا امتحان الحياة وحدهم
الشرطة، والدفاع المدني، وغرف النقل، وكل من أسهم، وضع بصمته في لوحة من التكاتف قلّ نظيرها، لكن المبادرة ما كانت لترى النور لولا قيادة تفهم التوقيت وتُحسن التقدير
في لحظة التمزق الوطني، تتقدم الجزيرة بهذا النموذج، وتقول لكل ولايات السودان: ربما لا نملك كل الإمكانات، لكننا نملك ما هو أثمن… الإرادة
وها هي الإرادة تُترجم اليوم في باص يحمل طالبًا، وفي سائق يشد الرحال نحو الأمل، وفي رجل أمن يفتح الطريق، وفي مسؤول يقف بظهره قبل كلمته
الجزيرة لم ترحّل طلابها فقط… بل رحّلت رسالة إلى الوطن كله:
“نحن لا نُهزم، نحن نُكمل الطريق.”