مقالات

الغباء يرتجل معركة… والذكاء يمسك بالزناد !

ياسر الفادني

في العلم العسكري، ليس كل من يطلق النار يُحسن القتال، ولا كل من يركض نحو الجبهة يُجيد إدارتها. الحرب علمٌ له قوانينه، والخطأ فيه لا يُسامح، في بابنوسة، تجلّت الحقيقة الفاصلة بين جيشٍ يعرف متى يُطلق ومتى يصمت، وبين مليشيا تحارب بالعشوائية، وتصرّ على تحويل الغرور إلى تكتيك، كانت المليشيا تظن أن الصراخ والنشاط الزائف في وسائل الإعلام هو ما يصنع النصر، فانقضّت كأنها في عرض مسرحي لا يدرك مخاطره أحد، ظنّت أن اقتحام مدينة بحجم بابنوسة يحتاج إلى كاميرا وبيان، لا إلى خطة ومعرفة وإحتراف

في المقابل، كانت القوات المسلحة تقرأ الأرض بعيون الخبرة، تتحرك بوعي لا ضوضاء فيه، وتضبط إيقاع المعركة كما يضبط القائد الماهر إيقاع الكتيبة في قلب النار. لم تركض خلف مجدٍ مؤقت، بل صنعت نصرًا بهدوء المنتصرين الذين يعرفون أن الذكاء لا يُعلَن، بل يُمارس، بينما كانت المليشيا تتخبط، تسقط، تُباغَت، وتنسحب دون ترتيب، كانت القوات المسلحة تحفر سطور النصر بإبرة الإحتراف، لا بفأس التهور

الغباء في هذا السياق لا يُغتفر، لأن المليشيا إرتكبت كل ما يُعدّ من الكبائر في العلم العسكري: تكرار الفشل، الاستخفاف بالعدو، غياب الهدف، الجهل بالجغرافيا، الفشل في قراءة الميدان، والغرور بالتفوق الوهمي ، أما الجيش، فقد قاتل بعقلية الدولة، لا بعقلية النهب، قاتل بعقيدة الانضباط لا بهوس النصر الإعلامي، فكانت بابنوسة شاهدةً على هذا الفارق القاتل بين من يظن أن الحرب مجرّد إقتحام، وبين من يعرف أنها علم لا يرحم الجهلاء

الغباء العسكري لا يتسامح، لأنه يقتل قبل أن يُصحّح، وما حدث في بابنوسة يجب ألا يُدرّس بوصفه معركة، بل بوصفه فرقًا صريحًا بين من يقود بالعقل، ومن يتخبط بالعشوائية، فقد ارتجل الغباء معركةً، لكن الذكاء هو من أمسك بالزناد، وانتصر.

النصر نيوز

المدير العام ورئيس التحرير:     ام النصر محمد حسب الرسول

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى