
اذا نقبت في تاريخ ساسة بلادي واجليت عنه ما غمض وجهل فلا تتفاجأ .
ولد بابكر عوض الله في مدينة القطيتة بالنيل الأبيض، وهو من أسرة دنقلاوية ذات أصول مصرية .
القطينة واحدة من أقدم معاقل الشيوعيةوقد انجبت محمد ابراهيم نقد سكرتير عام الحزب الشيوعي بعد إعدام عبد الخالق محجوب في 28 يوليو 1971 .
كان بابكر عوض الله قريبا جدا من التنظيم الشيوعي الذي عرف بالجبهة المعادية للإستعمار ، وارجح انه كان كادرا سريا ينتظر زراعته في كيان ما .
تخرج في مدرسة الحقوق بكلية غردون التذكارية سنة 1940، التحق بالقضاء وتدرج فيه الى أن اصبح نائبا لرئيسه .
1952 حدث انقلاب عسكري في مصر بتخطيط ودعم امريكي اطاح بالملك فاروق المدعوم فرنسيا .
وقد عرف الانقلاب بالثورة المصرية التي تنادي بالوحدة العربية وتدعو للاشتراكية نهجا اقتصاديا .
فنالت الثورة إعجاب القاضي بابكر عوض الله ويرجح انه من مؤسسي تنظيم الثورة المصرية فرع السودان ، بالمخالفة للحياد المطلوب في القضاء ، وربما زرعه التنظيم الشيوعي في كيان الثورة الوليد .
في العام 1954 عين رئيسا لأول مجلس شعب سوداني ( برلمان ) والذي اعلن من داخله استقلال البلاد .
في العام 1957 شرعت الاستخبارات الحربية المصرية في تكوين تنظيم للضباط الاحرار في السودان وكلف بذلك الملحق العسكري المصري علي خشبة الذي ابعد من السودان لاتصالاته المريبة بضباط الجيش .
واصل بابكر عوض الله رئاسة البرلمان لعدة سنوات .
ويبدو ان ترؤسه للبرلمان قد تم بتدبير مصري لضمان وحدة السودان ومصر ،ولكن الرغبة البريطانية وحماس الأعضاء للاستقلال افشلا مسعى النظام المصري .
واصل بابكر عوض الله مسيرته في القضاء واجتمع مع موفدين من الثورة المصرية التي عرفت بالناصرية ضمن أعضاء آخرين ، وهذا يخالف العمل في القضاء الذي يحظر على عضويته الانتماء لأية جهة سياسية ، ومن منظور أمني يعد اختراقا للدولة السودانية .
لم يقطع بابكر عوض الله صلته بالتنظيم الشيوعي ويبدو انه من جمع الشيوعيين بتنظيم الضباط الاحرار داخل الجيش السوداني .
في سنة 1964 أصبح بابكر عوض الله رئيسا للقضاء ، وعندما تم حل الحزب الشيوعي من قبل البرلمان وطرد نوابه من قبته طعن الحزب في القرار أمام القضاء فحكم القاضي / صلاح حسن ببطلان قرار الحل والطرد الا ان أعضاء البرلمان رفضوا الاذعان للحكم .
القاضي صلاح حسن متزوج من عائلة يغلب عليها الانتماء الشيوعي الاشتراكي ،لكنني اعتقد انه ناصري بتاثير من رئيسه بابكر عوض الله ، وانه قد كلفه بالنظر في القضية .
والراجح ان أعضاء البرلمان كانوا على علم مسبق بذلك لان سكان الخرطوم كانوا أقل من مليون نسمة ويعرفون بعضهم بالاسم او بالشكل ، والمتعلمين نخبة محدودة العدد ، وان أعضاء البرلمان كان من بينهم المحجوب وزروق ود . حسن الترابي وجميعهم من فقهاء القانون الاجلاء واحترام أحكام القضاء يعدونه امرا مقدسا .
بعد نجاح العقيد نميري في استلام السلطة باتقلاب عسكري في 25 مايو 1969 عين بابكر عوض الله نائبا لرئيس مجلس قيادة الثورة ، رئيسا للوزراء ، وتمت تحت سمعه وبصره مصادرة وتاميم القطاع الخاص المحلي والاجنبي ، ومجزرتي الجزيرة ابا وودنوباوي وتصفية الإمام الهادي.
كان التنافس محتدما بين بابكر عوض الله والنميري في السيطرة على مجلس قيادة الثورة ، وكان بابكر مدعوما من الشيوعيين والاتحاد السوفيتي بينما دعمت مصر النميري .
بعد فشل انقلاب هاشم العطا واعدام عبد الخالق ورفاقه اتهم النميري بابكر عوض الله بالضلوع في الانقلاب ووضعه في المعتقل .
ونحن على مشارف التخرج في كلية الحقوق جرت سلسلة محاكمات لقادة ثورة مايو في سنة 1985 فكانت لنا تدريبا عمليا جيدا .
وقتها لاحظت تردد المحامي الكبير/ عبد العزيز شدو الذي دافع عن المتهمين ( ضباط ثورة مايو ) لاحظت تردده شبه اليومي على منزل القاضي/ صلاح حسن في الموردة ، وهذا يعضد فرضية انتماء صلاح حسن للتنظيم الناصري .
إن اختيار بابكر عوض الله لقضاء ما تبقى من عمره في أيرلندا التي تتوق للانعتاق من الحكم البريطاني ،اعتقد أنه لايخلو من كيد لبريطانيا واميركا لدورهما في خداع الحزب الشيوعي وإعدام قادته.
توفي بابكر عوض الله في أيرلندا عام 2019 عن عمر ناهز ال 102 سنة .
د. طارق محمد عمر .
الخرطوم في يوم الأحد 6 يوليو 2025 .