تطور أجهزة أمن التنظيم الشيوعي السوداني 1956 / 1982 .

حرصت مخابرات المستعمر البريطاني على زرع عملاء و جواسيس في جهاز أمن التنظيم الشيوعي قبيل نيل السودان استقلاله في 1 يناير 1956 ، مستعينة بالفرع المخصوص ( جهاز الامن السوداني ) و نائب مديره العميد/ ابراهيم حسن خليل الممسك بالملف الشيوعي ، منهم م أ س ، ع س، ع ع .
و عقب استقلال السودان و اعتراف عديد الدول به ، منها الاتحاد السوفيتي و الدول الشيوعية و الاشتراكية تواصل جهاز أمن التنظيم بالسفارات و القنصليات و نسق معها المواقف و عمل على رفدها بالمعلومات .
تم إدخال تعديلات على هيكل جهاز الامن الشيوعي باستحداث فرع للمخابرات الخارجية أسوة بجهاز الأمن الرسمي .
و فرع حديث للاستخبارات العسكرية بما فيه قسم للعلاقات الخارجية ، تمهيدا لانقلابات عسكرية ثورية تلبي رغبات عبد الخالق محجوب سيرا على طريق لينين .
امتعض جهاز الامن الشيوعي عندما اكتشف ان السكرتير الخاص لرئيس الوزراء عبد الله خليل كان ( صول ) في مباحث أمن الدولة المصرية ( الأمن الداخلي المصري ) و مسؤولا عن مراقبة و رصد الشيوعيين السودانيين في مصر ، و قد نكل ببعضهم ، فاضمروا عقابه .
بلا ريب فإن الاستخبارات العسكرية المصرية هي التي ربطت بين الضباط الاحرار و استخبارات الحزب الشيوعي بترتيب أمريكي لتوريط عبد الخالق في فخ انقلابي و التخلص منه .
مطلع حكم عبود شدد جهاز الامن الرسمي إجراءاته تجاه التنظيم الشيوعي و كشف بعض اوكاره في العاصمة و بقية المدن ، و قدم بعض عضويته إلى المحاكمة فيما عرف بقضية الشيوعيين الكبرى ، و كان معظم المتهمين و المدانين أعضاء في الأمن الشيوعي .
كذلك أدى تورط التنظيم الشيوعي في انقلاب 1959 اضد نظام حكم عبود لى تشديد قبضة الامن تجاه التنظيم .
بعد سقوط نظام عبود في 21 أكتوبر 1964 و تشكيل حكومة سر الختم الخليفة الانتقالية و معظم و زرائها كانوا من الشيوعيين رغم ان صلحا قد ابرم بين عبود و الشيوعي ، نال بموجبه الاخير عدة مناصب .
في هذه الفترة عمل جهاز الامن الشيوعي على الانتقام من قادة الامن الرسمي و على رأسهم ابراهيم خليل مدير الشرطة ، ذلك بكيل الاتهامات الجزافية و تعريضهم للتحقيقات .
حدثني اللواء / ابراهيم خليل انه رفض تحريك قوات الشرطة لإيقاف احداث دموية قام بها الجنوبيون ، و أضاف : انه أراد تأديب حكومة الشيوعيين .
نتج عن ذلك وضع مدير الشرطة في الايقاف ثم إقالته.
الحقبة الديموقراطية 1966 عينت اللواء / ابراهيم خليل وكيلا لوزارة الاستعلامات و العمل ، و عقب حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان قام سعادته باستدعاء كل الشيوعيين العاملين في الوزارة و خيرهم بين الاستقالة و السجن ، فاختاروا الاستقالة .
عدم اقتناع عبد الخالق محجوب براي معظم أعضاء اللجنة المركزية بأن(ع) عميل أمريكي ، يعود لكون مسؤول الأمن الشيوعي جاسوس يعمل لصالح بريطانيا و بالتالي يغطي على عمالة ( ع ) كونه الجهة المعتمدة لدى عبد الخالق و صاحبة القول الفصل .
بعد نجاح انقلاب 25 مايو 1969 دفع جهاز الامن الشيوعي بثلة من عناصره للعمل في الأمن العام و هم محمد احمد سليمان و سمير جرجس و عبد الباسط سبدرات .
بينما دفع لجهاز الامن القومي الوليد بالصحفي ميرغني حسن علي و عثمان كط ( من أبناء الموردة ) و هاشم ابا سعيد و قد افادني الاخير بأنه عمل في أمن الحزب منذ العام 1960 ، و يبدو ان عددا من ضباط الامن القومي الجدد هم في حقيقتهم كوادر أمن شيوعي الا انهم لم يقروا بذلك فلم الح عليهم احتراما و تقديرا .
فشل أمن الحزب الشيوعي في كشف تواصل رئيس جهاز الامن القومي الرائد / مامون عوض ابوزيد بالمندوب السري للمخابرات الأمريكية في الخرطوم و رفده بالتقارير الأمنية .
انشقاق عبد الخالق محجوب عن ثورة مايو شق الحزب و جهازه الأمني الا ان معظم الكوادر الأمنية لم تغادر مواقعها في الأجهزة الرسمية .
جهاز الحزب لم يتوصل الى ان انقلاب 19 يوليو 1971 ما هو إلا فخ نصبته المخابرات الأمريكية للقضاء على قيادة الحزب .
ضباط الامن الموالون لعبد الخالق محجوب شهروا اسلحتهم في وجه زملائهم لحظة تنفيذ انقلاب 19 يوليو و و ضعوهم رهن الاعتقال .
لم يتمكن أمن الحزب و استخباراته العسكرية من كشف النشاط المصري الهادف لاجهاض انقلاب 19 يوليو .
بعض الامنيين في اللجنة المركزية الذين لم يؤيدوا عبد الخالق هربوا خارج العاصمة ، منهم ابراهيم حاج عمر الذي استغل قطار بضاعة متوجه إلى شندي و اختفى هناك وسط عشيرته .
كل ما فعله مسؤول أمن الحزب بعد إعدام عبد الخالق و رفاقه الاستيلاء على أموال الحزب و تحويلها لحسابه الخاص في بريطانيا .
د. طارق محمد عمر .
الخرطوم في يوم الاثنين 23 يونيو 2025 .