د. طارق محمد عمر يكتب: خور ابوعنجة

خور ابو عنجة هو مجرى طبيعي لسيول الأمطار المنحدرة من شمال كردفان و متنفس للنيل حين يفيض .
على ضفتيه عاش انسان ما قبل العصور الحجرية و لم تزل الآثار مطمورة تحت الضفاف و بعضها اكتشف و اودع المتاحف .
كان اسمه حتى التركية السابقة خور الموردة اي الميناء حيث ورود و مغادرة المسافرين و البضائع و على ضفتيه كانت تدبغ الجلود بالملح و ثمار السنط او ما يعرف بالقرض و هو مر المذاق ، بذور القرض نبتت داخل الخور فأصبح غابة سنط مزهرة وريفة و ريحانة باردة ، تثمر قرضا و تنتج صمغا و من عجب ان بعضه حلو المذاق .
يستفاد من القرض في علاج أمراض الصدر و الباطن و الجلد و الجروح وضربات الشمس السحائي و من قديم قال الاهالي : القرض البداوي المرض ، و يستخدم بخورا لطرد الحشرات خاصة الباعوض و الذباب .
اما اخشابه فتنجر منها القوارب والأبواب و النوافذ لمتانتها ، كذلك تصنع منها سروج الدواب و العصي و فنادق سحن البهار و الذرة و معاصر الزيوت التي تحركها الجمال ، و يستخدم حطبا للوقود .
و تبدل اسم الخور الى خور ابوعنجة حين عسكر فيه الامير المهدوي / حمدان ابوعنجة مع قواته عند حصار خرطوم غردون ، لرصد اي هجوم محتمل من جهة الشمال على معسكر المهدي بمنطقة السلاح الطبي حاليا .
في موسم الفيضان تنشط حركة صيد الأسماك بالشباك الدائرية و الصرائم جمع صريمة و هي شباك طولية قد يبلغ طولها نحو 200 ضراعا اي ذراعا او يزيد يربط باعلاها نبات الطرور لتظل طافية ، و تركب من تحتها سنارات سميكة بها طعم اي قطع من لحم او صغار سمك او صارقيل لصيد السمك ، كان بعض الصيادين يرمون بالمشك في الماء حتى يتجمع السمك فيتم صيده ، و المشك هو تفل خمر يصنع من الذرة يسمى المريسة ، و كان عمي الحسن عمر معلم التربية الإسلامية و العربية يمنعهم من ذلك لانه حراما ، و ارى حرمته لأن الأسماك مخلوق يعبد الله فلايصح اطعامه او سقيه المحرمات .
و السمك الذي يدخل الخور مع فيضان النيل مشكل من أسماك النيلين الأبيض و الأزرق، فتجد القرقور و خشم البنات و البلطي و الدبس و العجل و البياض و النوق و الكأس و الشلبي و الخريشة و الكوارة وابو ظمارة و التامبيرة و الكبروس .
كذلك تنشط حركة المراكب الخشبية لنقل العابرين من ضفة إلى أخرى و في الامسيات تؤجر المراكب للنزهة و الغناء و الطرب جيئة وزذهابا .
و لدفع المركب قدما تستخدم المجاديف و المدر و هي عصا طويلة من القنا .
الصبية يسبحون في مياه الخور على خطورته خفية من أسرهم خشية العقاب ، لذلك كانت بعض الأسر ترسم خطوطا بالحبر على أقدامهم في الصباح لتراجع مساء فإن و جدت نجوا و ان محيت طالهم السوط .
و أكثر حالات الغرق تحدث نتيجة لصعقات كهربائية من أسماك تسمى البردة لونها نحاسي و ربما تكون ثمة علاقة بين لونها و معدن النحاس كونه موصل جيد للكهرباء .
عندما تنحسر مياه الخور يأتي الزراع لبذر تقاوى اللوبيا التي غنى لها الجابري ( الجريف و اللوبيا ) .
و تكتسي ارض الخور خضرة فيلعب عليها الأطفال و الصبيان و يصطادون الطير و منه ود ابرق و بت ابرق و عصافير الجنة و الخداري و القمري و كنت احب البربوري و لم أكن أدرك خطورته لانه من فصيل الببغاوات ذات المنقار المعكوف الحاد فقضم جزءا من سبابتي اليسرى فادماها فتبت من صيده .
خور ابو عنجة كان ملعبا لعباقرة في مختلف المجالات كيف لا و قد و طئته أقدام النبي الرسول موسى عند زيارته الرجل الصالح النبي الرسول الخضر ، شهد الخور طفولة و صبا الشيوخ : الخليفة الياس الحسن و احمد البدوي و علي ادهم و عمر محمد الحسن و خلف الله خالد اول و زير دفاع للسودان و احمد عمر محمد كبير قضاة الشرع و إبراهيم حسن خليل مدير الأمن و البوليس و لبضع اشهر أقام فيها د . حسن الترابي صبيا طالبا بالخلوة و خالد حسن عباس و زير دفاع ثورة مايو ، و بروفيسور حسبو عبد الرحمن اختصاصي النفسية و العصبية ، و بروفيسورات كثر منهم حسين ابوصالح اختصلصي جراحة المخ و الاعصاب و سامي احمد خالد و السبكي خالد و محمد الفاتح احمد عمر و ثلاثتهم صيادلة و بروفيسور و داعة و برفيسور اسامة الأمين عمر إاختصاصي الأسنان و بروفيسور ابشر حسين طبيب الباطنية و الأعصاب و غيرهم من العباقرة في مختلف المجالات .
اما اذا جن الليل فلا يستطيع احد عبور الخور لما فيه من قطاع الطرق ( الربابيط ) مشتقة من رباط اي الانتظار صبرا ، حتى لو كان عنترة بن شداد .
د. طارق محمد عمر .
رئيس لجنة الشؤون الأمنية بتجمع الاكاديميين و الباحثين و الخبراء السودانيين .
الخرطو م في يوم الاثنين 13 أكتوبر 2025 .