مقالات

مسرح بلا سقف ووجوه بلا مسافة ! 

من أعلي المنصة.. ياسر الفادني

في عالمٍ اعتاد أن يُرى المسرح من وراء ستارٍ ثقيلٍ وأضواءٍ فاخرة، خرج عز الدين كوجاك من القاعة إلى الشارع، من الخشبة إلى التراب، من المنصة إلى (الكارو) ليصنع ما سُمِّي لاحقًا بـمسرح الهواء الطلق، لم ينتظر جمهورًا يشتري التذاكر، بل مضى هو إلى الجمهور، إلى الأحياء الشعبية، إلى الأسواق، إلى الناس الذين لا يجلسون في الصفوف الأمامية لأنهم لم يدخلوا المسرح يومًا

 

كانت فكرة (مسرح الكارو) ثورة على الشكل والمضمون معًا، فهي لا تكتفي بتغيير المكان، بل تُعيد تعريف العلاقة بين الممثل والمتلقي، في هذا المسرح لا فاصل بين الخيال والواقع، ولا مسافة بين العرض والحياة، الممثل لا يقف على منصة عالية، بل يمشي بين الناس، ينظر في وجوههم، يسمع ضحكاتهم الحقيقية، ويستمد طاقته من نبضهم المباشر

(الكارو) هنا لم يكن مجرد وسيلة نقل، بل منصة حرية، خشبة تتحرك وسط الغبار لتصنع فناً لا تزيّنه الإضاءة ولا تضبطه مكبرات الصوت، بل ترفعه الفكرة وتثبّته الصدق

 

استفاد عز الدين كوجاك من هذه التجربة الميدانية في إعادة بناء لغة المسرح ذاته، بدل أن يخاطب المتفرج في مقعدٍ وثير، صار يخاطبه في موقف المواصلات، أو أمام دكان، أو تحت شجرة، ليختبر لحظة الوعي النقي بلا تجهيزات، إستبدل المؤثرات الصناعية بتفاعلٍ حيّ، والديكور بالفضاء المفتوح، فصار كل شيء جزءًا من العرض: ضحكة طفلٍ مارّ، أو نداء بائع، أو صوت الريح وهي تعبث بنص الحوار

 

علميًّا، يقوم مسرح الهواء الطلق على مبدأ المشاركة اللحظية والتأثير المباشر، إذ يزيل الحواجز النفسية بين المؤدي والمتلقي، ويُحدث إندماجًا إدراكيًا سريعًا عبر تفاعل بصري وسمعي طبيعي ، الجمهور هنا لا يتلقى الخطاب الفني بصفته متفرجًا سلبيًا بل شريكًا في صياغة المشهد، يضحك، يحتج، يقاطع، ويعيد الممثل إلى لحظة الحقيقة

 

إني من منصتي أشاهد….حيث أرى…. أن مسرح الكارو هو درسٌ في التواضع والجمال البسيط، دعوةٌ لأن يعود المسرح إلى جذوره الأولى حين كان في الساحات والأسواق، تجربة عز الدين كوجاك ليست مجرد عرضٍ فني، بل بيانٌ ثقافي يقول: إن المسرح لا يعيش بالأضواء، بل بالناس. وأن الهواء الطلق لا يطفئ الفكرة، بل يمنحها الأوكسجين لتتنفس بحرية وتصل إلى كل قلبٍ عابرٍ في الطريق.

النصر نيوز

المدير العام ورئيس التحرير:     ام النصر محمد حسب الرسول

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى