مقالات

عثمان ميرغني يكتب:تعقيب على تعقيب د. إبراهيم البدوي

 

 

في حوار مع إذاعة “دبنقا”، قال الدكتور إبراهيم البدوي إن السودان يحتاج إلى 11 عامًا ليعود إلى مستوى الاقتصاد الذي كان عليه قبل حرب 15 أبريل 2023. وأضاف أنه إذا عمل 50 مليون سوداني لمدة خمس سنوات متواصلة، فقد يتمكنون من سد الفجوة الاقتصادية البالغة 160 مليار دولار.

في مقال نشرته يوم الأربعاء الماضي، انتقدت منهج الدكتور البدوي في استخلاص النتائج وما توصل إليه من تقديرات. وقد تفضل الدكتور بالرد على تعقيبي، مؤكدًا صحة منهجه ومعلوماته وأرقامه المذكورة.

من الضروري أولاً الإقرار بأن السودان يعاني من نقص حاد في المعلومات الموثوقة. هذا النقص لا يعود فقط إلى غياب المصداقية في مصادر المعلومات، بل إلى عدم وجود مستهلك حقيقي للمعلومات في الأساس. فالسلطات على مختلف المستويات لا تبني قراراتها على بيانات دقيقة، بل غالبًا ما تكرر أرقامًا ظلت متداولة لأجيال دون مراجعة. من بين هذه الأرقام، الرقم الذي اعتمده الدكتور البدوي لحساب دخل الفرد في السودان، وهو تعداد السكان البالغ 50 مليون نسمة. هذا الرقم تقديري، يتراوح بين 30 و50 مليونًا بسهولة حسب الجهة المستخدمة والغرض من الاستخدام، مما يفتقر إلى الدقة.

إن غياب المعلومات الموثوقة يجعل الاستدلال بالأرقام مجرد تقديرات تخدم خلاصات مسبقة. لذلك، يجب أن يبدأ بناء دولة السودان الحديثة من إنشاء منظومة معلومات قوية ومتكاملة تتيح اتخاذ قرارات مستنيرة.

أشار الدكتور البدوي إلى “قانون الـ70”، وهو معادلة رياضية يستخدمها لتقدير المدة اللازمة لمضاعفة النمو الاقتصادي. ووفقًا له، إذا حقق السودان نموًا سنويًا بنسبة 10%، فسيحتاج إلى 7 سنوات لمضاعفة حجم اقتصاده. لكن، مع كامل التقدير للبدوي، ما علاقة هذا القانون بحالة السودان؟ إن قانون الـ70 هو معادلة رياضية محضة تتعلق بمضاعفة الأرقام بشكل عام، وليس لها علاقة مباشرة بالاقتصاد. يمكن تطبيقها على أي رقم، سواء كان عدد السكان، أو عدد المطربين، أو حتى أندية كرة القدم في السودان، و لا تعكس السياق الاقتصادي للبلاد.

في تعقيبي الأول، اختلفت مع الدكتور البدوي حول تحديد “خط الصفر الوطني” الذي يمكن أن يُقاس منه نمو السودان بعد الحرب. فقد بنى تقديراته على اقتصاد وهمي كان سائدًا قبل الحرب، بينما اقترحت أن يعتمد القياس على المقدرات الاقتصادية الحقيقية للسودان، بدلاً من أرقام تقديرية غير موثوقة تقدمها مؤسسات دولية دون مصادر دقيقة.

لنطرح سؤالاً مباشراً على الدكتور البدوي، استنادًا إلى خبرته كوزير للمالية سابقًا:

كم يستهلك السودان من القمح سنويًا؟

كم يصدر من الذهب؟

كم يستورد من الأدوية؟

من المؤكد أنه سيجد أرقامًا رسمية لهذه الأسئلة، لكننا نعلم جميعًا أن هذه الأرقام لا تعكس الواقع الحقيقي. فعلى سبيل المثال، تُظهر السجلات الرسمية أن السودان يصدر أقل من 25 طنًا من الذهب سنويًا، بينما تؤكد سجلات الدول المستقبلة للذهب السوداني أن الكمية المصدرة تتجاوز ثلاثة أضعاف هذا الرقم. المشكلة هنا ليست فقط في الفارق الهائل بين الأرقام الرسمية والواقع، بل في مصداقية مصادر المعلومات الرسمية نفسها.

لا يمكن الاعتماد على تقديرات الدكتور البدوي التي تشير إلى أن السودان يحتاج إلى 11 عامًا لاستعادة وضعه الاقتصادي قبل الحرب، ليس للتشكيك في استخلاصه، بل بسبب افتقار الأرقام الاقتصادية في السودان إلى مصادر موثوقة. لذلك، أكرر دعوتي إلى البحث عن “خط الصفر الوطني” بناءً على الإمكانات الحقيقية للسودان، وليس على أرقام ماضٍ غير موثوق.

وأن يكون ذلك بناء على رؤية لـ”بناء السودان الحديث”، وليس “اعادة اعمار” سودان لم يكن موجودا كدولة.

 

النصر نيوز

المدير العام ورئيس التحرير:     ام النصر محمد حسب الرسول

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى