
السياسة في السودان لم تعد ملعباً للدهاء ولا ميداناً للمواقف، بل صارت ساحة لراقصي المصالح الذين يتبدلون أقنعتهم كما يتبدل الثعبان جلده، أسماء كثيرة تتناسل كالفطر، كل يوم نسمع عن تيار جديد، وحزب محدث، وحركة أعيد تدويرها في مطبخ دويلة الشر التي لا تكلّ ولا تملّ من ضخّ المال المسموم في شرايين الفوضى ، هؤلاء الذين تارة يسمّون أنفسهم تأسيس وتارة صمود وتارة كتلة التوهان الوطني، ما هم إلا صدى لصفارة الخارج، ينهقون حين يؤمرون، ويصمتون حين تُغلق الحنفية.
دويلة الشر نفسها بدأت تشعر بأن صحنها قد خوى، وأن “بلفها” قد انسد أو تحوّل إلى سرسار، بعدما فشلت كل رهاناتها على مليشيا عرجاء وحكومة ورقية لا تملك من أمرها شيئاً، أما كتلة صمود، تلك التي حاولت أن تبدو متماسكة كجبل الجليد، فقد بدأت تذوب قطعة بعد قطعة، وابتلع عرمان ما تبقى منها كما يبتلع جيري قطعة الجبن من فم توم !، ضاحكاً كعادته وهو يحرق السفينة التي يركبها
الآن، خلف الأبواب المغلقة، تدور اتصالات مشبوهة بين بعض القيادات المهزومة ودول تحترف بيع الوهم، يسعون لصفقة عودة إلى السلطة، لتلميع وجوههم التي غطتها أوساخ الخيانة، يحلمون بصابون (أومو السياسي) يغسل عارهم السياسي ويمحو رائحة السقوط، لكن هيهات لهم! من باع الوطن يوماً لا يُشترى بالرحمة، ومن ذاق طعم الخيانة لا يعرف طعم الوفاء
من فشل في حكم هذه البلاد لا يستحق فرصة أخرى، ومن مارس الديكتاتورية بثوب مدني لن يجلس مجدداً على كرسي السلطة، فالتجريب في هؤلاء عبث، والمجرب الفاشل لا يُجرب مرتين، إنهم قوم لا يحكمهم مبدأ ولا تلجمهم قيم، يسيرون خلف من يدفع أكثر ولو كان الثمن خراب الوطن
ولأن من فُطم على لبن العمالة لا يسكت إلا حين يُعاد إلى ثدي الخيانة، فهم الآن يصرخون، يهمهمون، يهتزون طلباً لذلك اللبن الآسن، لكن السودان اليوم غير الأمس، وشعبه لم يعد ذاك الذي يُخدع بالشعارات ولا يُساق بالهتاف، لقد انكشف المستور، وسقطت الأقنعة، وما عاد في الساحة إلا صوت الوطن وحده، يعلو فوق لولاي النشطاء جميعاً.