ياسر الفادني يكتب…. كامل إدريس… لا تحاكموه قبل أن يعمل

من السذاجة السياسية، بل من الظلم الوطني، أن يُنصب المشانق لرئيس الوزراء الجديد د. كامل إدريس بمجرد تلاوة خطاب تعيينه، وكأننا أمام سباق محموم لإجهاض كل بارقة أمل قبل أن تولد، الرجل لم يجلس بعد على كرسيه، ولم يُمسك بعد بملفاته الشائكة، ومع ذلك انهالت عليه السكاكين من كل صوب، وكأن المطلوب أن يأتي رئيس الوزراء منزها عن الخطأ، خاليا من كل ماضٍ، نقيا كما لو أنه نزل من سماء المدينة الفاضلة
الواقع أن التحديات أمام رئيس الوزراء القادم ليست نزهة ولا بروتوكولًا لتبادل الابتسامات، نحن أمام تركة سياسية واقتصادية وأمنية تكاد تئن تحتها الجبال، وهذا النوع من الملفات لا يُفتح إلا على يد شخصية قوية، تملك مفاتيح الفهم العميق، لا الانفعال السطحي، وليس من قبيل المصادفة أن تختاره القيادة، بعد تمحيص وتدقيق، من بين أسماء عدة كانت مطروحة على الطاولة، اختياره لم يكن مغامرة، بل رهان محسوب على رجل توافرت فيه المعايير في لحظة تستدعي الكفاءة لا الشعبية، والحسم لا التردد
التنقيب في ماضي إدريس ومحاولة محاكمته بتصريحات قديمة قيلت في ظروف مختلفة ليس من المهنية في شيء، بل هو نوع من العبث السياسي الذي لا يخدم سوى أعداء المرحلة، الظروف تغيّرت، والرجل اليوم أمام مسؤولية وطنية، لا منبرًا دوليًّا ولا منظمة أممية، والسؤال الحقيقي: هل هو مع الخط الوطني أم ضده؟ هل سيقاتل مع أهل بلده من أجل كرامتهم، أم سيلتحق بطابور الهلاميين الذين يقيمون في العواصم ويصدرون بيانات التخوين والتمزيق من شرفات الفنادق؟
رفض تلك الجهات الخارجية لتعيينه ليس سوى شهادة ضمنية بأنه لا يلعب في ملعبهم، وأن القيادة وُفقت في أول اختبار حقيقي حين اختارته، المنصب الذي يشغله إدريس ليس تاجًا أبديا يُحمل على الهامات، بل مسؤولية قابلة للنجاح أو الفشل، وإن فشل فالعلاج جرة قلم، والإعفاء لا يحتاج إلى أكثر من توقيع
الوضع الراهن يفرض على القيادة أن تمضي في تشكيل حكومة مدنية ذات اعتراف دولي، تساند القوات المسلحة وتخفف عنها العبء الإداري والسياسي، بينما تستمر في واجبها العسكري والميداني. وربما يكون قرار القائد العام بفك تكليف أعضاء من مجلس السيادة عن الإشراف الوزاري جزءًا من هذا التصحيح الذي تأخر كثيرًا
دعوا الرجل يعمل، امنحوه فرصة التخطيط والبناء، ثم قيّموه بعد أن تتضح الرؤية لا قبل أن يخطو أول خطوة، فقد يسبح بنا إلى برّ الأمان، وقد يغرق كما غرق من سبقه في شبر موية… أما الذبح من أول يوم، فذلك هو الغرق بعينه.