القضارف : أنة المجروح..ودعت الشاذلي معلمًا مربيًا وداعية غيورًا على محارم الله
ويبقى الود.. دكتور عمر كابو

** ودعت القضارف أمس الأربعاء أستاذ الأجيال الشاذلي عبدالله فرج أبو علامة أحد أعظم أساتذة المرحلة الابتدائية في عهدها الذهبي..
** عرفته مدرسة القضارف الأميرية ((ب)) معلمًا مربيًا وداعية ملتزمًا وأستاذًا مثقفًا ملمًا بأصول اللغة العربية والتاريخ والجغرافيا والتي كانت إدارة المدرسة تعهد إليه أمر تدريسها للصف السادس آخر فصول المرحلة في ذاك الزمن الأزهر..
** ما من دفعة درسها إلا وحازت على أرفع الدرجات نتاج ما يبذله من جهد مقدر في متابعة وتكريس فرط اهتمامه بطلابه تحفيظًا وتمحيصًا وتجويدًا للدرس حتى يصلوا مرحلة الفهم والاستيعاب الكامل لتلك المقررات ..
** يرجع إليه الفضل في حثنا على أداء صلاة الظهر جماعة بالمدرسة بعد أن قام باستجلاب بروش للصلاة حتى غدت معظم المدرسة تؤدي تلك الفريضة جماعة..
** ولأنه أدرك قيمة ((المعلم القدوة)) كان يهتم جدًا بمظهره مثل اهتمامه بمخبره علمًا ومعرفةً والتزامًا وخلقًا فلا أكاد أعرف شابًا من جيله تفوق على أستاذنا الشاذلي في ذوقه العالي واختياره الراقي لملابسه عالية الجودة ((ماركات عالمية)) ..
** في مرحلة متقدمة زهد في القمصان مما حدا به إلى ارتداء الزي القومي على طريقته الخاصة حيث عهده مجتمع القضارف ((بموضة الجلابية الشبابية الملونة)) التي تشبه أقمشتها ما عليه الآن ((لبسة على الله)) من ألوان وخامة..
** ملاك الأمر أن الرجل احتفظ بأناقته المعهودة ساعده في ذلك ملاحة ووضاءة لا تخطئها العين..
** كنا ننتظر حصته بفارغ الصبر لما فيها من إثارة وتشويق وتحفيز وهو يتبع أسلوب المنهج التفاعلي بتحويل تلاميذه من مجرد متلقين إلى متبرعين مشاركين بالمعلومة والتعبير عن مدى اطلاعهم ومعلوماتهم العامة من خلال ما يطرحه من أسئلة عليهم بدلًا من منحهم المعلومة دون أدنى جهد منهم مخافة قتل ملكة البحث والتنقيب والاستعداد والاطلاع المثمر الجاد عند تلاميذه..
** لا أنسى يوم طرح علينا سؤالًا عن الفعل المضارع لكلمة ((البؤساء)) ؟ فلم يستطع الجميع الإجابة عليه فعهد بالسؤال لأحد الطلاب وكان مستواه الاكاديمي متأخرًا في الترتيب لتجئ إجابته صحيحة بأنه الفعل ((يبتئس)) فما كان منه إلا أن قام بمنحه هدية مادية وهو يمازحه ضاحكًا ببشاشته المعهودة ((الاجابة دي أمن رأسك أم من كراستك))؟؟؟!!! لينفجر الجميع بالضحك من مداعبته اللطيفة التي كانت تكسر حاجز الرتابة وتمنح الحصة الطلاقة والحيوية والنشاط المطلوب..
** لا أعرف يومًا شق على أنفسنا مثل ذاك اليوم الذي جاء ليعلن لنا أنها آخر حصة له معنا نتيجة استقالته المسببة التي أملتها عليه ظروفه الأسرية حين تقدم خريف العمر بوالده وآثر ملازمته برًا به ورحمة وشفقة عليه..
** ليترك لنا ذلك فراغًا روحيًا عريضًا لم نجد من يقوم بسده وملء خانته وتعويضنا حرصه وجديته وخبرته حتى مغادرتنا المرحلة..
** لكن أقدار الله أبت إلا أن تجمعنا به ثانية في محيط العمل العام حيث جمعت بنا الفكرة والانتماء والولاء للحركة الإسلامية والتي مثل أستاذنا أحد رموزها الكبار الذين يشاروا لهم بالبنان في ولاية القضارف..
** هنا أظهر أستاذنا الشاذلي التزامًا تنظيميا كبيرًا تنفيذًا لتوجيهات القيادة ومسارعة في أداء المهام الموكلة إليه باخلاص وتجرد وتفان وكفاءة عالية..
** ورغم ذلك عفت نفسه عن كل مناصب الدولة وهو الأكثر تأهيلًا للجلوس على كراسيها وملء فراغها بجودة متناهية فاكتفى من ذلك ببعض المناصب التنظيمية رافضًا تولي أي منصب في الأجهزة الرسمية للدولة تشريعا وتنفيذًا ..
** وعرف عن الراحل كرمه الباذخ فقد كانت دار الجبهة الإسلامية القومية لأول عهدها قريبة من داره بحي النصر حيث ظل الرجل يجود على معظم الوفود التي تزور القضارف بالطعام والشراب دون كلل أو ملل باذلًا لهم الطعام في حب وكرم حاتمي عجيب ساعدته في ذلك والدته ((أمنا بتول )) بكرمها المدهش وحبها لبذل الطعام والشراب للزوار من القيادات والرموز السياسية..
** شاركتها في ذلك أمنا ((ست البنات)) أم أخواننا حيدر والأمين وفيصل وعلي وأحمد عبداللطيف البدوي يرحمهما الله رحمة واسعة في تجهيز الطعام لضيوف (التنظيم) دون كلل أو ملل حتى في ساعات متأخرة من الليل..
** وأستاذنا الشاذلي حمامة مسجد أواه منيب يندر أن يؤدي الفريضة المكتوبة من الصلوات خارج المسجد فقد كانت يحرص حرصًا شديدًا أن يصلي فروضه الخمسة فيه..
** بل ظلت عادة دائمة متبعة أنه يعتكف في المسجد ن بعد الفجر إلي طلوع الشمس حتى يؤدي ركعتي الضحى ومن ثم يخرج إلي حيث يريد..
** ورغم ظروف الحياة ومنعرجاتها منحًا ومحنًا إلا أن الرجل ظل محتفظًا بوقاره وسمته وتواضعه الجم وخلقه الرفيع وظرفه الرحيب لم يبطره غنى ولم يكدره ذل الحاجة..
** قابل ابتلاء اصابة ولده الكبير عبدالله اصابة بالغة في حادث مروري أدى إلى اعاقته عن الحركة بصبر ورضاء تام بقضاء الله وقدره المحيط..
** أستاذنا الشاذلي اجتمعت فيه كل خصائص القيادى الرمز من لباقة وحكمة وحضور وهيبة ونبوغ وحسن هيئة وتواضع مع الآخرين وقدرة على التواصل مع كافة مكونات المجتمع..
** رياضي مطبوع عشق الموردة فكان أحد أبرز الرموز الذين شاركوا وساهموا في النهوض بها والمحافظة على أن تكون دومًا في مركز متقدم من الترتيب العام لدوري الولاية..
** وهو مثقف مجيد للغة العربية ومن ذلك أنه بعيد الحرب بقليل جمعتني مكالمة هاتفية معه فجرى محور الحديث فيها عن الشاعر العملاق إدريس جماع فقلت له يكفي أنه شاعر الأغنية الرائعة ((غيرة)) والتي تغني بها العملاق سيد خليفة واشتهرت عند الكافة بأغنية ((على الجمال تغار منا)) فسارع إلى تصويبي غير الجارح (( غيرة بفتح الغين لا بكسرها أنا يا ولد درستك ليها كدة؟؟!!)) ورحنا في ضحكة طويلة معتذرًا له عن هذا الخطأ (الشائع)..
** أجل معرفته الكبيرة بأصول اللغة العربية مكنته من استدراك كثير من مثل هذه الأخطاء المتكررة والتي تؤكد تمكنه من أدوات اللغة وتعمقه في دراسة أصولها..
** ونحن إذ ننعيه إنما ننعي أخًا شهمًا ورعًا تقيًا نقيًا محبًا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم و((لأخوانه)) حبًا جعله الأقرب إلى وجدانهم جميعًا..
** يحزن لحزنهم ويبكي لبكائهم ويجزع لجزعهم ويفرح لفرحهم ويتفوق عليهم جميعًا بعاطفة جياشة وإهتمام بأسرته الممتدة والخاصة..
** أستاذ شاذلي نموذج للمسلم البار بوالديه برًا كبيرًا أحسن إليهما حتى غادرا الدنيا وكذلك كان عطوفًا رحيمًا بأشقائه عمل على مساعدتهم وبذل جهدًا مضاعفًا لأن يشقوا طريقهم بسهولة ويسر ضمانًا لحياة أفضل تتوفر فيها كل مطلوبات الحياة السعيدة..
** لأجل ذلك لم نستغرب الاصطفاء الإلهي العظيم حين اختاره الله لجواره في هذه الأيام المباركات من العشر الأواخر هي خير أيام السنة كلها أقسم الله بها تعظيمًا وتكريمًا لها..
** أكثر ما يعزي شريكة حياته أختنا الكريمة كواكب أن الرجل ظل وفيًا لها يذكرها دومًا بخير ويسند لها معروفًا كبيرًا ويفخر ويفاخر بصلاحها وتقواها وصبرها وكرمها الفياض واحتمالها مشاركته عثرات الحياة فقد رحل وهو راضٍ عنها تمامًا..
** اللهم إنا نشهد لعبدك وابن أمتك أستاذنا وأميرنا الشاذلي بالورع والكرم ومحبة نبيك صلى الله عليه وسلم فشفعه فيه وأدخله الجنة بغير حساب غافرًا ذنبه مؤنسًا وحشته راحمًا غربته..
** تعازينا الحارة لأشقائه وليد وحافظ وعادل ولزوجه وأولاده والأهل والأصدقاء بالقضارف والدكة بربر وإنا لله وإنا إليه راجعون..