رحبت به الخرطوم، وعدَّته خطوة لاستعادة السلام في المنطقة،، وقف إطلاق النار في غزة،، السودانُ يترقب..
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو

سعي سوداني لاستثمار الزخم الإقليمي وإيجاد مسارات دعم جديدة لأزمته..
مطالب بتنفيذ تجربة غزة في السودان بتوسيع مظلة الوساطة وإبعاد الإمارات..
السفير نادر: التفاوض يكون وفق منطق المنتصر، وتجريم الميليشيا..
رحّب السودان باتفاق وقف إطلاق النار في غزة الذي تم توقيعه الخميس بمدينة شرم الشيخ، وأكد بيانان صادران من مجلس السيادة، ووزارة الخارجية السودانية، أن الاتفاق خطوة مهمة نحو إنهاء المأساة الإنسانية في القطاع وفتح الطريق أمام سلام دائم يعيد الأمن والاستقرار إلى المنطقة، وأشاد البيانان بالجهود التي بذلتها مصر وقطر والولايات المتحدة للوصول إلى هذا الاتفاق، مجددين دعم السودان لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
توقيت دقيق:
وكانت الأزمة السودانية قد احتلت المرتبة الثانية في مداولات الجمعية العامة في دورتها الثمانين خلف القضية الفلسطينية وتداعيات الحرب على غزة، ويجمع مراقبون على أن الموقف السوداني يأتي في توقيت دقيق يعكس حرص الخرطوم على تثبيت حضورها الإقليمي رغم ما تعانيه منذ نحو ثلاث سنوات من تداعيات أمنية وسياسية واقتصادية فرضتها عليها الحرب التي أشعلت ثقابها ميليشيا الدعم السريع في الخامس عشر من أبريل 2023م، ويُقرأُ ترحيب السودان باتفاق وقف إطلاق النار في غزة بوصفه إظهاراً حقيقياً لاستقلالية القرار السوداني، وبلورة مساعٍ دبلوماسية تحاول من خلالها الخرطوم أن تستعيد ثقة الأطراف الإقليمية والدولية في دورها السياسي المتوازن.
توسيع مظلة الوساطة:
ويرى مراقبون أن الموقف السوداني من اتفاق غزة يعكس رغبة الحكومة في استعادة أدوارها الخارجية، واستثمار الزخم الإقليمي لإيجاد مسارات دعم جديدة لقضيتها الداخلية، فالتقارب مع وسطاء مثل مصر وقطر والولايات المتحدة بالإضافة إلى تركيا يتيح للسودان فرصاً لتعزيز حضوره الدبلوماسي وتوسيع دائرة التحالفات التي قد تُسهم في تهيئة بيئة أكثر إيجابية لمعالجة أزمته، خاصةً وأن بعض الأصوات بالداخل بدأت تطالب بتوسيع مظلة الوساطة بشأن الحرب ليشمل الآلية التي توصلت إلى وقف إطلاق النار في غزة والمتمثلة في قطر ومصر والولايات المتحدة الأمريكية ليضاف إليها كلٌّ من تركيا والمملكة العربية السعودية، بحيث تكون الآلية الجديدة بديلاً عن الآلية الرباعية المرفوضة من قبل الحكومة السودانية نسبة لوجود الإمارات الضالعة والمؤججة لنار الحرب في السودان، فتوسيع مظلة الوساطة بإشراك قوى إقليمية مؤثرة قد يحقق توازنًا أكبر في العملية التفاوضية، رغم تحذيرات البعض من أن تعدد الوسطاء قد يعقّد المسارات ما لم يُدار ضمن إطار منسق وموحّد.
فرصة قائمة:
وتبدو فرص مصر والسعودية وتركيا وقطر والولايات المتحدة في تحقيق اختراق حقيقي في مسار الأزمة السودانية قائمة، وإن كانت محفوفة بالتحديات، ذلك أن هذه الدول ترتبط بعلاقات متفاوتة العمق مع الخرطوم، إذ تجمع مصر والسودان روابط جغرافية وأمنية تجعل استقرار السودان أولوية إستراتيجية للقاهرة، بينما تمتلك السعودية ثقلاً اقتصادياً وتأثيراً مهماً في البحر الأحمر يمكن أن يدعم جهود إعادة الإعمار، وأما قطر وتركيا فلهما خبرة في الوساطات الإقليمية إلى جانب وحضورهما الإنساني والإغاثي الفعّال في السودان، فيما تبقى الولايات المتحدة الأمريكية الطرف الأقدر على توفير الغطاء السياسي على المستوى الدولي، وتنسيق الدعم الإنساني والاقتصادي، بيد أن نجاح هذه الجهود يظل مرهوناً بتقاطع المصالح الإقليمية ومدى استعداد هذه الدول لتوحيد رؤاها في مسار وساطة مشترك وفعّال.
بلورة رؤية جديدة:
ويؤكد السفير نادر فتح العليم، الخبير في العلاقات الدولية وفضّ النزاعات، أن الزخم الدبلوماسي الذي قادته مصر والسعودية وقطر وتركيا، إلى جانب الإخراج الأمريكي، أسهم في بلورة رؤية جديدة لمعالجة النزاعات الإقليمية، لافتاً إلى إمكانية الاستفادة من هذا النموذج في معالجة الأزمة السودانية رغم تعقيداتها، مبيناً أن طبيعة الأزمة في السودان تختلف جوهرياً عن غيرها، لأنها صراع بين دولة ذات سيادة واعتراف دولي كامل، وبين فاعل غير شرعي تمرَّد على الدولة وارتكب انتهاكات جسيمة تعدّ من أبشع الجرائم في التاريخ الإنساني الحديث، مؤكداً أن الحل العادل لا بد أن ينطلق من هذا التوصيف الواقعي للأزمة، مشدداً على ضرورة عدم مساواة الميليشيا المتمردة بمؤسسات الدولة في أي عملية تفاوضية قادمة، وأن يكون التفاوض وفق منطق المنتصر، وهي الدولة السودانية بجيشها وشعبها ضد المهزوم الذي ارتكب الجرائم والانتهاكات، مع ضمان عدم الإفلات من العقاب وتعويض المتضررين من جرائم الحرب والانتهاكات الإنسانية، و دعا السفير نادر فتح العليم إلى استبعاد أي دور سياسي لمليشيا الدعم السريع وداعميها من الكتل المدنية في مستقبل الحل السوداني، مؤكداً أن كل مبادرة دولية تنطلق من فهم الدولة والشعب السوداني لطبيعة الصراع ستكون مقبولة ومرحباً بها، وختم بالقول إن إرادة الشعب السوداني لن تنكسر بعد الانتصارات التي حققها الجيش في الميدان، مؤكداً أن السودان لن يُهزم على طاولة التفاوض كما لم يُهزم في ميدان المعركة، وأن الشعب لن يقبل بأي إملاءات تمس سيادته أو إرادته الوطنية.
خاتمة مهمة:
ومهما يكن من أمر، يبدو أن السلام في غزة والسلام في السودان وجهان لمعادلة واحدة في الوعي الجمعي الذي يختبر إرادة الشعوب في مقاومة الخراب، وقدرة الأنظمة على ترجمة الخطاب الأخلاقي إلى فعل سياسي واقعي، فبينما يحتفي العالم بوقف إطلاق النار في غزة، يترقّب السودانيون بشغف أن تُشرق عليهم شمس اتفاقٍ مماثل يُنهي حربهم ويمنحهم حقهم في الحياة الكريمة، فلعل ما جرى يوم الخميس يكون بداية لسلامٍ إقليمي شامل يبدأ من جراح غزة وينتهي عند جراح السودان.