تقارير

أدى القسم بين رمزين من دولة 56 “علم السودان وصقر الجديان”،، حميدتي،، رهان خاسر..

تقرير: إسماعيل جبريل تيسو..

أغلق كل نوافذ الأمل في مشروع يتطلع إلى “سودان جديد”..

فشل “تأسيس” في صياغة رمزيتها وإنتاج شعارات تُعبِّر عن مشروعها..

مراقبون: حميدتي استعار أدوات الدولة القديمة التي يحاربها..

 

جدلٌ كثيف أثاره الظهور المفاجئ لقائد ميليشيا الدعم السريع، المتمرد محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وهو يؤدي القسم رئيساً لما يسمى بـ تحالف السودان التأسيسي، وتداولت نخب سياسية، وأوساط إعلامية داخل السودان وخارجه، دلالات وأبعاد ظهور حميدتي ليؤدي القسم وأمامه علم السودان بشكله المعروف (علم دولة 1956م)، فيما تبرز من أعلى صورة أداء القسم، صورة لصقر الجديان، ( شعار دولة 1956م) وهى مواقف تُناقِض الخطاب المعلن لتحالف تأسيس الجديد والذي يعمل على محاربة دولة 1956م، والتي يعتبرها رمزاً لفشل الدولة السودانية القديمة، ويطرح بديلاً لها السودان التأسيسي أو ”السودان الجديد”.

أهداف قيمة ولكن:

ويهدف تحالف السودان التأسيسي وفقاً لميثاقه إلى تأسيس وبناء دولة علمانية ديمقراطية غير مركزية في السودان، تقوم على الحرية والمساواة والعدالة، ولا تنحاز غير إلى أية هوية ثقافية أو عرقية أو دينية أو جهوية، وتعترف بالتنوع وتعبر عن جميع مكوناتها على قدم المساواة، إلى جانب حظر تأسيس أي حزب أو تنظيم سياسي على مبدأ ديني، أو تنظيم دعاية سياسية على أساس ديني أو عنصري، إضافة إلى خضوع الجيش الجديد منذ تأسيسه للرقابة والسيطرة المدنيتين، ويدعو تحالف تأسيس إلى إعمال “هوية سودانوية” ترتكز على حقائق التنوع التاريخي والمعاصر، وعلى بناء دولة قائمة على الحرية والعدالة، والمساواة، والالتزام بالمحاسبة التاريخية وإنهاء الإفلات من العقاب، وتشكيل حكومة سلام انتقالية تهدف إلى حماية المدنيين، وتقديم المساعدات الإنسانية، واسترداد المسار الديمقراطي، إلى جانب تجريم جميع صور التطرف والانقلابات العسكرية واستغلال الدين لأغراض سياسية.

فقدان المصداقية:

ومنذ تدشين تحالف تأسيس في فبراير ٢٠٢٥م ظلت خطابات منسوبيه تركز على هدم الدولة الموروثة من 1956م، والتي يعتبرها سبباً في الإخفاقات السياسية والاجتماعية، وتدعو إلى بناء سودان جديد قائم على مقاربات مختلفة في الحكم والإدارة والهوية، وإعادة صياغة المشروع السياسي بما يتجاوز ثنائية المركز والهامش، والهيمنة التاريخية للنخب المركزية، بيد أن هذه المبادئ والقيم التي تضمنها ميثاق تحالف السودان التأسيسي، أو وردت بين ثنايا خطابات وتصريحات منسوبيه، تفتقر وبحسب مراقبين إلى آليات عملية للتنفيذ، فضلاً عن أن ” مؤسس” المشروع (قائد ميليشيا الدعم السريع) نفسه يُعتبر جزءاً أصيلاً من أزمة الحرب الجارية، ما يجعل شعارات “السودان الجديد” فاقدة للمصداقية.

مفارقة واضحة:

ويبدو أن التناقض لم يكن فقط في التصريحات وربطها بأهداف تحالف تأسيس، وإنما امتدت يد التناقضات لتلامس حتى الشعارات المطروحة من قبل التحالف، وهي مفارقة تجلّت بشكل واضح في صورة حميدتي وهو يؤدي القسم رئيساً لتحالف السودان التأسيسي بين يدي علم السودان، وشعار صقر الجديان ( الرمزية السياسية والوطنية لجمهورية السودان)، ذلك أن قائد ميليشيا الدعم السريع ومنذ تمرده على القوات المسلحة في الخامس عشر من أبريل 2023م، ظل يعلن رفض “دولة 56”، وبالتالي فإن ظهوره أمس لتأدية القسم وسط رمزية وشعار “دولة 56” يمثل مفارقة صارخة، ويؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن التحالف لم يستطع بعد صياغة رمزيته الخاصة أو إنتاج شعارات جديدة تعبر عن مشروعه، مما قد يُفقده القدرة على إقناع قواعده أو استقطاب تيارات واسعة حوله.

تناقض في الشخصية:

ووفقاً لخبراء استراتيجيين فإن الكثير من التناقضات تحضر في شخصية قائد ميليشيا الدعم السريع محمد حمدان دقلو، فالرجل الذي يقود ميليشيا فوضوية متهمة بانتهاكات واسعة ضد المدنيين، سيجد صعوبة في أن يقنع الناس بأنه قادر على بناء دولة حديثة قائمة على العدالة والمواطنة، وهو ما لا يمكن أن يتحقق باعتبار أن المشروع الذي يرفع شعار “السودان الجديد” يقوده شخص ارتبط اسمه بالدمار والاقتتال، ما يجعله ” فاشلاً” في تبني مشروع وطني جامع على أساس مناقض تماماً لجوهره، وهي خطوة تكشف عن أزمة رمزية وفكرية داخل التحالف الوليد، مما يُضعف من مصداقية حميدتي أمام الرأي العام، حيث بدا وكأنه يستعير أدوات الدولة القديمة التي يعلن محاربتها، وبالتالي فإن أن مشروع سياسي لا بد أن ينهض على مؤسسات ورؤى واضحة، لا على شخصيات عسكرية تسعى لتلميع صورتها في خضم حرب مدمرة.

خاتمة مهمة:

ومهما يكن من أمر فإن ظهور حميدتي وهو يؤدي القسم أمام أنظار ( علم السودان ، وشعار صقر الجديان) قد أغلق كل نوافذ الأمل في مشروع سياسي يتطلع إلى “سودان جديد”، وفتح في المقابل الباب واسعاً أمام السؤال المُلِح والكبير حول جدوى تحالفات تقوم على الشعارات الكبيرة دون أن تمتلك القدرة الأخلاقية والسياسية لتحقيقها! وهو ما يجعل كثيرين يرون أن ما حدث ليس سوى إعادة تدوير للأزمة في صورة جديدة، عنوانها البراق “السودان الجديد”، لكن جوهرها لا يخرج من رحم دولة 1956م التي يزعم التحالف أنه جاء لمحاربتها.

النصر نيوز

المدير العام ورئيس التحرير:     ام النصر محمد حسب الرسول

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى