حالة من الفوضى والتوتر ضربت حاضرة ولاية جنوب كردفان،، حادثة سوق كادقلي،، ” جشع تجار وتلاعب بالأسعار..
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو

إطلاق نار جراء رفض التجار التعامل نقداً والإصرار على ” بنكك”..
طرح سعرين مختلفين للسلعة الواحدة، ب”الكاش” وعبر التطبيقات البنكية..
الوالي يحذر ويكشف عن ترتيبات مع الغرفة التجارية لحسم الفوضى..
منحة مالية من الفريق كباشي لمحاصرة الأوضاع الإنسانية الخانقة..
شهد سوق مدينة كادقلي أمس الجمعة حالة من الفوضى والتوتر انتهت بإطلاق نار عشوائي، وذلك بعد أن رفض عدد من التجار التعامل بالنقد “الكاش” مع المواطنين، وإصرارهم على قصر التعامل عبر التطبيقات البنكية (خدمة بنك)، وقد أثارت الخطوة حفيظة المواطنين، وقوبلت باستياء واسع وسط المتسوقين الذين وصفوها بالمستفزة وغير المنطقية ولا المسؤولة، وتتنافى مع قيم الأخلاق، خاصة وأنهم ظلوا يرزحون تحت وطأة حصار خانق استمرَّ لأكثر من عامين، عانوا خلاله ضيقاً في الأوضاع الاقتصادية، وشظفاً في الأحوال المعيشية.
اختراق:
وكانت حكومة ولاية جنوب كردفان قد صرفت رواتب العاملين في الدولة لشهر أغسطس نقداً بعد أن نجحت في توفير سيولة نقدية عبر تحويلات من الحكومة المركزية عبر البنك المركزي فرع كادقلي، وهي خطوة اعتبرت اختراقاً حقيقياً في جدار الأزمة الاقتصادية والمعيشية الخانقة التي ظلت تعيشها ولاية جنوب كردفان – إقليم جبال النوبة منذ الحصار الذي فرضته الحركة الشعبية جناح عبد العزيز الحلو، وميليشيا الدعم السريع منذ يونيو من العام 2023م، وقد انعكس تردي الأوضاع الاقتصادية سلباً على ندرة السيولة النقدية في أيدي المواطنين الذين يستخدم معظمهم التطبيقات البنكية، ليتسبب موقف التجار الرافض للتعامل بالنقد، والاقتصار على التطبيقات البنكية في إعادة المواطنين إلى مربع الإحباط وخيبة الأمل بعد أن استبشروا خيراً بخروجهم من عنق الزجاجة عقب صرف رواتب العاملين في الدولة نقداً، وهي الخطوة التي كانوا يعوّلون عليها في الإعلان عن تحسن الوضع الاقتصادي والمعيشي.
شجع التجار:
وضجَّت منصات التواصل الاجتماعي بنقاشات ساخنة، تدين وتشجب ما وصفته بجشع التجار، حيث اتفق معظم المتداخلين من أبناء ولاية جنوب كردفان -إقليم جبال النوبة على مجموعاتهم ” قروباتهم” الاجتماعية على تطبيق واتساب، على جشع وطمع الكثير من التجار، وألقوا باللائمة عليهم في إيصال المنطقة إلى هذا الدرك السحيق من الأزمة الاقتصادية، والضائقة المعيشية التي يكتوي بنيرانها المواطنون الأبرياء، منوهين إلى أن معظم التجار “استثمروا” في الحصار المفروض على المنطقة وعملوا على بيع السلع الضرورية بأسعار مضاعفة، مستغلين عدم توفر السيولة النقدية ليقوموا بطرح سعرين للسلعة الواحدة، بحيث يتم البيع نقداً بسعر يختلف عن البيع عبر التطبيقات البنكية التي يكون سعرها أعلى، وعندما توفرت السيولة النقدية، تفاجأ المواطنون برفض التجار البيع نقداً وإصرارهم على التطبيقات البنكية طمعاً في السعر الأعلى، وشدد الكثير من المواطنين بضرورة أن تتحمل حكومة ولاية جنوب كردفان مسؤوليتها كاملة، وتعمل على حسم هذه “الفوضى”، معتبرين أن عدم التعامل بالنقد يمثل قمة الاستخفاف بالعملة الوطنية مما يضع هؤلاء التجار تحت طائلة القانون.
منحة كباشي:
وكان مواطنون ولاية جنوب كردفان قد تفاءلوا خيراً بوصول منحة مالية مقدمة من الفريق أول ركن شمس الدين كباشي عضو مجلس السيادة، نائب القائد العام للقوات المسلحة، عبر مفوضية السلام، وذلك بهدف محاصرة الأوضاع الإنسانية، وتخفيفاً للأعباء المعيشية، حيث عكفت حكومة الولاية عبر لجنة إدارة الأزمة في توزيع المنحة المالية بنسب متفاوتة للمحليات المتأثرة بالحصار، حيث استوعبت المنحة الماليةن المطابخ المفتوحة ” التكايا”، والمجتمعات المضيفة، والنازحين، بالإضافة إلى الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية وذلك وفقاً لمعايير دقيقة، وهي خطوات تصب جميعها في مواعين الجهود المبذولة اتحادياً وولائياً لمعالجة الأزمة الاقتصادية، وتحسين الأوضاع المعيشية، بيد أن الموقف الذي صدر من بعض التجار الانتهازيين بسوق كادقلي قد عكّر صفو المزاج التكافلي، والطقس التفاؤلي الذي ساد المنطقة، وطرح تساؤلات منطقية حول دوافع هؤلاء التجار في تضييق الخناق على المواطنين في ظل الظروف الحرجة، بدلاً من أن يكونوا عوناً للمجتمع في مواجهة الأزمة.
استنكار وتحذير:
واستنكر والي ولاية جنوب كردفان محمد إبراهيم عبد الكريم الموقف الذي أظهره بعض تجار سوق كادقلي، وقال في إفادته للكرامة إن السلطات المختصة قد احتوت التوتر الناجم عن إطلاق النار العشوائي الذي تم في الهواء الطلق “لإخافة أحد التجار”، منوهاً إلى بعض الترتيبات التي تجري مع الغرفة التجارية بكادقلي من أجل وضع الأمور في نصابها الصحيح، وتفادي تكرار ما حدث مستقبلاً، وشدد الوالي على ضرورة أن يلتزم التجار بتوحيد السعر في كافة السلع بين البيع عن طريق النقد، أو عن طريق التطبيقات البنكية، مؤكداً أن من يخالف هذا الأمر من التجار سيكون عرضة للمساءلة القانونية والعقاب الصارم، وناشد والي جنوب كردفان المواطنين والتجار بالتحلي بمزيد من الصبر، إلى حين فتح الطريق الرئيس الأبيض – الدبيبات – الدلنج – كادقلي، معتبراً فتح الطريق بالحل الجذري الذي ينهي هذه الأزمة.
خاتمة مهمة:
ومهما يكن من أمر يبقى ما حدث في سوق كادقلي موقفاً مستنكراً يضع التجار الرافضين للتعامل بالنقد في قفص الاتهام، ويفرض على السلطات المختصة في كادقلي التدخل بحسم، حتى لا تتحول الأسواق إلى ساحة صراع جديدة تزيد من معاناة المواطن المحاصر بالجوع والمرض والرصاص.