مقالات

قلم مخابرات كينيا .

د. طارق محمد عمر

احتلت القوات البريطانية كينيا سنة 1895 و شرعت في تكوين جهاز أمني تحت قيادة انجليزية ، مهمته مراقبة الحركات الوطنية و الاجنبية الرافضة للاحتلال البريطاني .
و قد لعب الجهاز الامني دورا مهما في تثبيت دعائم الوجود البريطاني في كينيا من خلال جمع و تصنيف و تحليل المعلومات و مراقبة ورصد الاهداف ، خاصة كبار الناشطين السياسيين .
إبان نشوب الحرب العالمية الأولى 1914 / 1918 استعانت القوات البريطانية في كينيا بوحدات عسكرية و استخبارية من قوات دفاع السودان لطرد القوات الألمانية من تنزانيا التي كانت تعرف وقتها بشرق أفريقيا الألمانية و نجحت في دحر الألمان .
في العام 1919 و تحت إمرة ضباط بريطانيون كبار زحفت و حدات متكاملة من قوات دفاع السودان معظمها من هجانة جبال النوبة صوب اوغندا فاحتلتها و اخضعنها لحكم بريطانيا ،ثم زحفت نحو كينيا و استكملت احتلالها لتعلن في العام 1920 مستعمرة بريطانية و لم يزل أحفاد قوات دفاع السودان مقيمين في حي كبيرا بضاحية العاصمة نايروبي .
من التحديات العظيمة التي واجهت قلم المخابرات ظهور تنظيم الماماو السري في كينيا مطلع خمسينيات القرن الماضي من أجل استقلال كينيا .
قاد التنظيم ديدان كيماثي و اريامو موجامبا و ستانلي ماتاكا ، نفذ الماوماو عمليات سرية مباغتة ضد الوحدات العسكرية و المدنية البريطانية .
و كان للماوماو جهاز أمني يختص بحماية أعضاء التنظيم و ضمان امنهم ، و جهاز أمني آخر لجمع المعلومات عن القوات البريطانية و كشف العملاء و الجواسيس داخل التنظيم .
خلال حقبة الاستعمار البريطاني على كينيا و السودان تم ربط البلدين بعلاقات أمنية و اقتصادية متينة استمرت طويلا في تطور و ازدهار .
بعد كفاح مرير نالت كينيا استقلالها من بريطانيا في 12 ديسمبر 1963 وأصبح المناضل جومو كنياتا اول رئيس بعد الاستقلال .
و تم تكوين جهاز الامن الوطني الكيني و هو يشمل و كالة المخابرات التي تعنى بجمع المعلومات عن مهددات أمن كينيا في الداخل و الخارج ، و جهاز الامن الداخلي و مهمته حماية الأمن الداخلي للدولة . و تم تدريب أعضاء أجهزة الأمن الكينية محليا و في بريطانيا و الولايات المتحدة الأمريكية .
و قد حدث تعاون أمني سوداني كيني خاصة فيما يتعلق بحركة تمرد جنوب السودان ، حيث عمل الامن الكيني على توقيف عناصر التمرد و اخضاعهم للتحقيق و ابعاد بعضهم من كينيا و تسليم البعض الآخر للسلطات السودانية .
و قبل توقيع اتفاقية سلام أديس ابابا 1972 اعتقل الامن الكيني قيادي متمرد و تم تخديره و وضعه داخل تابوت للموتى ذلك بالتنسيق مع مندوب الامن السوداني ، و تم نقله إلى الخرطوم جوا فلما أفاق و فتح التابوت و جد نفسه داخل رئاسة الأمن السوداني .
استمر التعاون بين جهازي الأمن السوداني و الكيني خاصة في مجال تبادل المعلومات خلال سبعينيات و ثمانينيات القرن الماضي .
و في حقبة ثورة الإنقاذ الوطني شابت العلاقات بين البلدين و جهازي أمنهما بعض النعقيدات و التحديات بسبب حرب الجنوب و العلاقة مع الصومال .
كان الأمن السوداني ينظر إلى كينيا باعتبارها مأوى لقيادات متمردة و معبر للسلاح إلى حركة التمرد جنوبي السودان ، بينما ينظر الامن الكيني للسودان باعتباره متعاطفا و داعما للحركات الصومالية المناوئة لكينيا .
و معلوم ان الخلافات بين كينيا و الصومال سببها النزاع الحدودي بين البلدين و الموارد المشتركة و الجماعات المسلحة .
على المستوى الرسمي توجد علاقات وثيقة بين المخابرات الكينية و مخابرات اوغندا و تنزانيا و اثيوبيا و الصومال و محورها الأساس هو مكافحة الارهاب ، و كان الامن السوداني قد ابتعث أربعة من ضباطه للمشاركة في مراقبة الحدود السودانية الكينية عام 1992 منعا لوصول الأسلحة لمتمردي جنوب السودان الا ان الرئيس الكيني دانيال اراب موي اعتذر لتقديرات أمنية حيث كان يوجد على الحدود نحو 16 الف متمرد جنوبي مما يشكل خطورة على بعثة المراقبة ، و استمر تبادل المعلومات بين الجهازين .
و في سنة 1995 تعرض دبلوماسي سوداني في سفارة السودان بنايروبي لاطلاق نار فاصيب في صدره دون معرفة الفاعلين و الدوافع .
في 7 أغسطس 1998 تم تفجير سفارة أميركا في نايروبي فقتل نحو 213 شخصا و جرح 4000 آخرين ، و تم توجيه الاتهام الى تنظيم القاعدة و زعيمه اسامة بن لادن الذي كان مستثمرا مقيما في السودان .
شارك جهازا امن البلدين في لجنة . تحقيق حادث التفحير و تم تبادل المعلومات بشأن مكافحة الارهاب و تنظيمي القاعدة و داعش ، من جانبه أبعد السودان اسامة بن لادن من اراضيه .
توصلت اللجنة الأمنية إلى عدم توفر معلومات كافية و دقيقة عن تنظيم القاعدة لدى المخابرات الكينية إضافة لقصور في التدابير الأمنية المتخذة من قبل السفارة الامريكية .
هذه الحادثة قوت العلاقة بين أجهزة أمن كينيا و مخابرات الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن كانت فاترة لسنوات طوال منذ استقلال كينيا ، حيث نظر الشعب الكيني إلى أميركا باعتبارها مستعمر جديد .
في العام 1999 تمكن جهاز الامن الكيني من إلقاء القبض على الزعيم الكردستاني الشيوعي/ عبد الله اوجلان ، ذلك بالتعاون مع المخابرات التركية و سلمه إلى أنقرة و حكم عليه بالسجن المؤبد .
استمر التعاون الأمني بين جهازي أمن السودان و كينيا حتى لحظة الاطاحة بنظام البشير في العام 2019 .
د. طارق محمد عمر .
الخرطوم في يوم الأحد 31 أغسطس 2025 .

النصر نيوز

المدير العام ورئيس التحرير:     ام النصر محمد حسب الرسول

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى