
اسست وحدة قلم المخابرات في العام 1899 و كانت تتبع لجيش المحتل مثلما تبعت له وحدة الاستخبارات العسكرية ، و قد اشرف على تكوينها كل من البريطاني روقنالد و نغيت المعروف بونجت باشا و العميد النمساوي رودلف سلاتن و هو سلاطين باشا و اللبنانيين نعوم شقير و صموئيل عطية ، و قد عمل معهم على الارجح علي بن المهدي بعد عودته من مصر في قسم الوثائق .
و لكبح جماح المعارضة السودانية العسكرية و المدنية بعد الحرب العالمية الأولى عين ضابط المخابرات البريطاني مستر / ساندرسون مديرا لقلم المخابرات يعاونه صموئيل عطية و كل من مستر / بيني ومستر / كوتس و التحق بهم اللبناني ادوارد عطية ابن اخت صموئيل .
هذه المجموعة ركزت في نشاطهاعلى اختراق أنصار الثورة المهدية و خلايا التنظيم الشيوعي و جمعيتي الاتحاد و اللواء الأبيض ثم جماعة مؤتمر الخريجين بزعامة ابراهيم احمد و اسماعيل الازهري ، و الإعلاميين و الادباء في مقدمتهم معاوية محمد نور .
بالنظر لهذا الحقل الأمني يتضح ان مجموعة العمل كانت تتبع للامن الداخلي البريطاني MI5 بحكم ان السودان و قتها كان مستعمرة بريطانية و بالتالي يعتبر شأنه بريطاني داخلي .
قلم المخابرات طبق كل ما تعلمه من فنون الأمن على الاهداف من تجنيد و زرع لمصادر المعلومات البشرية و التنصت على المحادثات الهاتفية السلكية و اللاسلكية و فتح مظاريف البريد و التلغراف و المراقبة و المتابعة و الرصد و التحري و الاعتقال و التحقيق .
ان أهم انجازات قلم المخابرات تمثلت في اختراق أبناء و احفاد أنصار الثورة المهدية و من ذلك ان صموئيل عطية اشترى منزلا لاخته في حي الامراء اي أمراء المهدية ليتربى فيه ابن اخته ادوارد عطية وسط أبناء الامراء فيعرفهم معرفته لنفسه ثم يصير ضابطا في المخابرات .
و زراعة الشيوعي علي ود حاجي في قيادة جمعية اللواء الأبيض فتمكن من كشف أسرار الجمعية و رفد قلم المخابرات بالتقارير .
كذلك يرجح زرعهم عبد الوهاب زين العابدين في قيادة التنظيم الشيوعي اي الجبهة المعادية للاستعمار .
و تجنيد عدد نوعي من الاداريين السودانيين وبعض اعضاء أسر الادارات الأهلية.
و بعد أن أسندت مهام قلم المخابرات لبوليس السودان في العام 1942 تولى تأسيس الفرع مستر/ بيني الذي و صفه اللواء ابراهيم خليل بأنه اكفا ضابط مخابرات بريطاني عمل في السودان ، كذلك مستر/ كوتس الذي اجاد اللغة العربية و اللهجة السودانية كاهلها و لو سمعت صوته لحسبته سوداني .
و في هذه المرحلة ظهر من الضباط السودانيين بابكر الديب و إبراهيم حسن خليل و لويس سدرة ( قبطي سوداني ) و احمد بخاري و عبد الرحمن محجوب و غيرهم من صغار الضباط .
هذه الثلة من الضباط دربتهم المخابرات البريطانية في معاهد تدريبها و في معاهد مخابرات ألمانيا و إيطاليا و فرنسا و الولايات المتحدة الأمريكية ، و صقلتهم أثناء الخدمة بواسطة ضباط انجليز عملوا في المستعمرات البريطانية خاصة الهند و نيجيريا .
كانت ثقافتهم عالية في التاريخ و السياسة و عادات و تقاليد الشعوب و العلاقات الدولية اذا استمعت لحديث أحدهم حسبته أ . د بروفيسور .
و قد شجعتهم المخابرات البريطانية على تعلم اللغات فاجادوها كتابة ونطقا فالذي اعرفه عن الفريق / ابراهيم خليل انه أجاد الانجليزية و الفرنسية و الايطالية و الالمانية و الروسية وزار كل دول العالم حسبما افادني .
اذن استفادت بريطانيا من هؤلاء الضباط في داخل السودان و محيطه الإقليمي و الدولي في جمع المعلومات و مقابلة و تدريب المصادر و تكوين شبكات تجسسية و القيام بعمليات يتعذر إنجازها بواسطة ضباط بريطانيين تشك فيهم أجهزة أمن دول تعادي بلادهم.
نجح الفرع المخصوص في زراعة العميل (ع ع ) في الحزب الشيوعي حتى اعتلى لجنته النركزية و هو من استدرج عبد الخالق و رفاقه الى فخ انقلاب 19 يوليو 1971 ، و زراعة الجاسوس ( م أ س ) في إدارة أمن الحزب الشيوعي حتى صار مديرا لها ، وعقب إعدام عبد الخالق محجوب و رفاقه استولى على أموال الحزب مستعينا ب ( MAX ) مسؤول استثمارات الحزب الشيوعي ، وحولها لمصلحته الشخصية حيث أودعها احد مصارف لندن و تحصل على الجنسية البريطانية .
مثلما تمكن الفرع المخصوص من اختراق أحزاب الأمة و الإتحادي و تنظيم الإخوان المسلمون و الكنائس و حركة التمرد جنوبي السودان و الجاليات و القنصليات الأجنبية .
مثلما كشف عملاء و جواسيس على صلة بجهاز الأمن ابرزهم مساعد الوكيل الدائم لشؤون الامن و عدد من صغار الضباط و الاداريين .
وضبط مراسلين صحفيين أجانب اتضح انهم ضباط في أجهزة أمن و مخابرات بلدانهم .
إن حقبة المستعمر البريطاني تحتاج لبحوث علمية تسبر اغوارها لينطلق السودان بعدها إلى الأمام.
د. طارق محمد عمر .
الخرطوم في يوم الأحد 24 أغسطس 2025 .