مقالات

العازة وعلي / قصة مودة ووفاء ونضال .

د. طارق محمد عمر

العازة محمد عبد الله ولدت من ام جعلية وأب خندقاوي ، من منطقة الخندق شمالي السودان .
ولد علي عبد اللطيف في مدينة وادي حلفا شمالي السودان عام 1896وترجع أصول والده عبد اللطيف احمد إلى قبيلة الميري بجبال النوبة ( جبل ليما ) ، وأمه النصر زين من دينكا قوقريال بجنوب السودان .
تخرج الطالب الحربي علي عبد اللطيف في المدرسة الحربية بامدرمان برتبة ملازم ثان وعين ضابطا بقوة دفاع السودان .
تزوج علي عبد اللطيف من العازة محمد عبد الله في العام 1916 وسكنا في الخرطوم ثم اشترى منزلا ببانت شرق .
أرى ان شراءه للمنزل في هذا الموقع كان لأمر يبيته، فهو يبعد من المدرسة الحربية ( السلاح الطبي حاليا ) مسافة كيلومتر واحد لاغير وبالتالي يسهل عليه التعرف على الطلاب الحربيين والتأثير عليهم وتجنيدهم في تنظيم جمعية اللواء الأبيض، وبالفعل خرج الطلبة الحربيون في عدة تظاهرات ضد المستعمر وشاركوا في احداث ثورة 1924 .
ورزق علي من زوجته العازة ببنتين البكر اسمها نعمات ولدت في العام 1918 والثانية اسمها ستنا ولدت في العام 1924 عام الثورة ضد المستعمر الانجليزي .
حتى قيام الثورة كان علي عبد اللطيف قد بلغ من العمر 28 عاما ولم يزل في رتبة الملازم اول وهو امر مستغرب فعلى الاقل في هذه السن يكون الضابط في رتبة (اليوزباشي ) النقيب او (الصاغ ) الرائد الحديث ، لكن يبدو أن ترقيات جيش المستعمر كانت متباعدة بفواصل زمنية طويلة وربما كان ذلك مطبقا على السودانيين لا البريطانيين،تحسبا لوصولهم لرتب قيادية .
عمل علي عبد اللطيف في عدة وحدات عسكرية أبرزها الخيالة ( الحصين ) .
يبدو أن أصداء الثورة المهدية كانت ترن في اذن الصبي علي عبد اللطيف اضافة لتمدد الفكر الاشتراكي المنادي بالمساواة ووحدة القوميات العربية قد اثر على تفكيره وتطلعاته وآماله .
كشفت باحثة هولندية كانت تعد لنيل درجة الماجستير في جمعية اللواء الأبيض التي كونها علي عبد اللطيف ، وقد زارت السودان للوقوف ميدانيا على وثائق الجمعية ومقابلة أسرة علي والعازة ، ذلك بعد العام 2000 فعلمت ان عدد أعضاء الجمعية في مختلف أنحاء السودان قد بلغ 76 الف عضو من واقع الدفاتر المالية لسداد الاشتراكات الشهرية وربما كان العدد اكبر من ذلك ، اذا افترضنا وجود عضوية ليس بإمكانها تسديد الرسوم وربما نساء عضوات من ربات المنازل .
كان مدير قلم مخابرات المستعمر البريطاني مستر / ساندرسون رئيس إدارة الاستخبارات العسكرية وادارة الأمن المدني ، يتابع بدقة تحركات الضباط والمدنيين السودانيين خاصة بعد تنامي النشاط الشيوعي السري عقب ثورة لينين البلشفية في بطرسبيرج الروسية سنة 1917 .
من خلال التقارير الأمنية ركز ساندرسون على الضابط علي عبد اللطيف وتحركاته الخفية التي تثير الريبة ، إضافة للتقارير التي اوضحت اجتماعات محدودة العدد لضباط سودانيين واخرى لمدنيين في مختلف مدن السودان .
زار ساندرسون علي عبد اللطيف في منزله بالخرطوم وسط ، عدة مرات محاولا نصحه واغرائه بالمال والترقي أن تخلى عن أفكاره ونواياه .
قبيل هذه الزيارات كان علي يسلم زوجته العازة أوراق الاجتماعات السرية فكانت تخيطها في جلبابها من الداخل تحسبا لأي مداهمة او تفتيش من السلطات ، لكنها لم تفتش قط .
رجح ساندرسون أن ثمة تنظيم سري يقوده الضابط علي عبد اللطيف ، مقسم على هيئة خلايا صغيرة تضم الواحدة 4 إلى 5 أعضاء بما يشبه خلايا التنظيمات الشيوعية السرية التي تمكن من اختراقها في السودان ، واستطاع تجنيد شاب شيوعي يحب المظاهر من أبناء حي بري الخرطوم يدعى/ علي ود حاجي بعد أن اغراه بالمال ومنحه مسدسا ( طبنجة ) لحمايته الشخصية ، ودربه على اختراق التنظيمات وزرعه عضوا في جمعية اللواء الأبيض .
تمكن ود حاجي من اختراق الجمعية ووافى اندرسون بالتقارير ، عن رئاسة التنظيم وعضويتها وخططها ومن ذلك إشعال ثورة مسلحة ضد المستعمر البريطاني والدخول في وحدة بين السودان ومصر .
سبق أن لشرت إلى أن فرنسا هي من دبرت ودعمت الثورة الشيوعية لتطعن بها خاصرة بريطانيا ، مثلما أشرت إلى أن فرنسا هي من نصبت حكم الخديوية على مصر 1805 ، اذن وضح التاثير الفرنسي على جمعية اللواء / الأبيض .
يذكر ان الضابط عبد الله خليل رئيس وزراء السودان كان عضوا في جمعية اللواء الأبيض وهو من أصول مصرية نوبية .
امر ساندرسون باعتقال علي عبد اللطيف وآخرين وترحيلهم إلى السجن بجنوب السودان بعد أن أشارت تقارير ود حاجي إلى قرب تنفيذ الثورة بالتنسيق مع القوات المصرية المعسكرة بمنطقة الوابورات بحري بقيادة العقيد/ رفعت ، فضرب حصار من الجيش الانجليزي على القوة المصرية ثم امرت باخلاء السودان والعودة الى مصر .
نظمت العازة مظاهرة قوامها 20 الف امرأة جابت شوارع الخرطوم منددة بالاعتقالات ومطالبة بالافراج عن علي عبد اللطيف ورفاقه .
اضطر الضباط غير المعتقلين إلى قطع النيل الأزرق من جهة الخرطوم إلى بحري سباحة ليلا ولقاء العقيد / رفعت والتنسيق معه حول ساعة الصفر التي تطلق فيها النيران السودانية والمصريه معا تجاه القوات الانجليزية، الا ان رفعت خزلهم في اللحظات الحرجة ولم يأمر قواته بإطلاق النار ، بينما استشهد قابضا على مدفعه عبد الفضيل الماظ وقتل رفاقه .
مكث علي عبد اللطيف في السجن تحت التعذيب والإهانة لمدة 12 سنة بعدها اشاع المستعمر ان علي صار مجنونا بعد أن ضربه احد السجناء بإناء حديدي( جردل ) على راسه .
تم ترحيله إلى سجن كوبر سنة 1938 ومنه إلى سجن دبك ، وتحت حراسة مشددة وفي سرية تامة تم نقله بالقطار إلى مصر .
وهنالك حبس في سجن الأجانب ثم سجن الأجانب الجديد وبعدها إلى سجن الواحات فسجن طرة .
تحرت العازة عن مكان زوجها فعلمت انه رحل سرا إلى مصر واودع في مصحة للأمراض العقلية تتبع لمصلحة السجون ، سافرت إلى القاهرة واقتفت اثره ووصلته في المعتقل فوجدته بكامل قواه العقلية ،وحضرت زيارة لطبيب نفسي بريطاني إلى السجن خلص إلى أن على عبد اللطيف لايعاني من اي أمراض نفسية او عقلية او عصبية وطالب بالافراج عنه الا ان السلطات تلكات في التنفيذ .
في السجن حبلت منه ورزقت بمولودة اسمتها ستنا وهي التي لقبت بسجون .
توفي المناضل علي عبد اللطيف يوم 29 أكتوبر 1948 في مستشفى القصر العيني بالقاهرة عن عمر ناهز ال 52 عاما ودفن في مقابر العامة ثم نقلت رفاته لاحقا إلى مقابر الشهداء بتوجيه من الرئيس المصري محمد نجيب .
ارجو من الرئيس البرهان التوجيه بنقل رفاة البطل علي عبد اللطيف ودفنه بمقابر الشيخ / حمد النيل بامدرمان .
د. طارق محمد عمر .
الخرطوم في يوم السبت 23 أغسطس 2025 .

النصر نيوز

المدير العام ورئيس التحرير:     ام النصر محمد حسب الرسول

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى