
في الساعات الأولى من صباح اليوم، شنّت إسرائيل واحدة من أكثر عملياتها الهجومية تعقيدًا ضد إيران، ضاربةً العمق الإيراني بسلاح مزدوج من القنابل الذكية والذكاء السيبراني، الضربة التي حملت اسمًا غامضًا بحجم نواياها—”رأسي الأسود” أو Am KeLavi—استهدفت مواقع نووية وعسكرية وسكنية في طهران وعدة مدن أخرى ، لم تكن الغاية فقط تعطيل منشآت تخصيب اليورانيوم أو كسر شبكة الدفاع الإيرانية، بل كانت صفعة إعلامية وتكنولوجية أرادت بها تل أبيب أن تفتح بابًا جديدًا لحرب القرن الواحد والعشرين: حرب الوعي، والسرعة، والخوف المتبادل
من اللحظة الأولى، بدت الضربات شديدة الدقة ومدعومة بمعلومات استخباراتية دقيقة حدّ الخيانة، مما يشير إلى اختراقات عميقة في البنية الأمنية الإيرانية، أو تواطؤ داخلي لا يُستبعد، استخدام الطائرات دون طيار إلى جانب الطيران الحربي التقليدي يؤكد أن إسرائيل لم تعد تتحرك كقوة ردع فقط، بل كقوة إزاحة—تستهدف تحريك العدو لا فقط تحذيره اللافت أن إسرائيل أعلنت حالة استنفار داخلي مباشرة بعد الضربة، مما يعكس يقينها أن الرد الإيراني قادم، أو أنها تريد أن تبدو وكأنها تتوقعه لتكسب المعركة النفسية قبل العسكرية
لكن السؤال الحاسم يظل: هل حققت إسرائيل ما أرادت؟ ظاهريًا، نعم. العملية نفذت بدقة، والضجيج الإعلامي والسياسي العالمي يصب في مصلحتها، لكن هذه حرب مع خصم لا يُقاس بردة فعله الأولى، بل بطول أنفاسه، إيران، وعلى الرغم من تلقيها الضربة، لم تُظهر كل أوراقها بعد، منظومة الرد الإيراني تعتمد على تنوع استثنائي في أدوات الصراع: من الرد الصاروخي المباشر، إلى الحروب بالوكالة عبر وكلاء في لبنان وسوريا والعراق، إلى هجمات سيبرانية معقدة، مرورًا بحملات قانونية ودبلوماسية داخل المحافل الدولية، حيث تعرف إيران جيدًا كيف تحول الحبر إلى سلاح
في قلب كل ذلك، تظهر بروباغندا الحرب السيبرانية كأداة لا تقل فتكًا عن القنابل، فبينما تسعى إسرائيل لإظهار قوتها الخارقة، تعمل إيران على تكثيف حالة “الغموض المتعمد”، حيث لا يُعرف بعد مدى الضرر الحقيقي ولا مدى قدرة طهران على الرد، لكن المؤكد أن الحرب دخلت اليوم طورًا جديدًا، الطائرات بدون طيار أصبحت بحجم طلقة، والهجمات السيبرانية بحجم قنبلة، والحقيقة بحجم كذبة مدروسة.
إني من منصتي أنظر…. حيث أرى …. هذه ليست ضربةً في سباق حرب، بل رسالة مشفرة في معركة الوعي والبقاء، إسرائيل أرادت أن تقول إنها تمسك بخيوط اللعبة، لكن إيران قد ترد بطريقة لا يتوقعها أحد، لا في المكان ولا في الشكل، بينما يتفرج العالم على دخان الضربة، تتحرك تحت الطاولة ملفات أخطر من كل الصواريخ: ملفات الرد، وملفات التوقيت، وملفات النهاية.