عمدت المنظمات الفرنسية الثورية السرية إلى إدخال مبدأ السرية في التمظيمات الشيوعية ، إتقاء بطش بريطانيا االعظمى لتي لاتغيب عنها الشمس و لتحقق فيها المفاجأة عند اندلاع الثورات .
و في السودان كونت أولى خلايا التنظيم الشيوعي سنة 1913 بواسطة ثلاثة يهود ارمن قدموا مع المستعمر البريطاني و عملوا في مصلحة الأشغال شرق القصر الجمهوري مباشرة ..
كل نشاط للخلايا الشيوعية اتسم بالسرية و دقة التنظيم و من ذلك توزيع المنشورات المعادية للراسمالية و الحكم الملكي في ميناء جدة إبان موسم الحج عام 1919 ثم تكوين جمعية الإتحاد و جمعية اللواء الأبيض .
سكرتير عام الجبهة المعادية للإستعمار ( التنظيم الشيوعي ) المعلم / عوض عبد الرازق اول من عمل على اختراق الاحزاب السودانية بالكوادر الشيوعية السرية و أولها الحزب الوطني الاتحادي ثم حزب الامة و الاتحادي الديموقراطي ، و لولا الثورة الشبابية داخل التنظيم الشيوعي التي قادها عبد الخالق محجوب و عمره لذ ذاك 20 ربيعا ، و اطاحته بسكرتير عام التنظيم سنة 1946 لاكمل الاستاذ / عوض عبد الرازق مشروعه الاختراقي السري .
لكن التنظيم أدرك لاحقا أهمية ما بدأه عوض عبد الرازق ، ففي سنة 1949 كلف التنظيم ثلاثة من عضويته باختراق أولى خلايا تنظيم الإخوان المسلمون في السودان المكونة من علي طالب الله و صادق عبد الله عبد الماجد و محمد يوسف محمد و آخرين ، اخترقها بواسطة يس عمر الإمام و باكر كرار و ناصر السيد و كانوا اعضاء غير معروفين في الحزب الشيوعي اي كوادر سرية ، و بالفعل تم الاختراق و السيطرة فأبعد علي طالب الله و همش صادق عبد الله .
لاجل بناء الكادر السري افتتحت مدرسة بإسم الكادر السري في حي الموردة جنوب بمنزل المحاسب بالاشغال العامة / خالد أحمد ، و استمرت هذه المدرسة حتى انقلاب 19 يوليو 1971 الذي وأده النميري بعد ثلاثة أيام و اعدم فيه قادة الحزب .
تلك المدرسة كانت مكونة من صالون و فرندة بطلاء رمادي جميل ، و هما عبارة عن مكتبة ضمت الآف الكتب الشيوعية و الاشتراكية بارتفاع الجدران و طاولات و كراسي خيزران انيقة ، وغرفة خلفية للضيوف السريين تسمى الدهليز و مطبخ صغير لإعداد المشروبات الباردة و الساخنة و الوجبات الخفيفة ، مع حديقة مخضرة و جميلة تحفها الأشجار المزهرة و الورود الفرنسية العطرة مع اقفاص للطيور الملونة ، بينما فرشت الممرات بالرمل و الحصا .
و كان يكلف صبيان الحي الذين يلعبون الكرة أمام المدرسة بكتابة أرقام السيارات التي تمر على الشارع .
كان من أبرز معلمي المدرسة المحامي/ احمد زين العابدين الذي التحق بالحزب الاتحادي وآخر يدعى زروق ( ليس هو السياسي الاتحادي مبارك بابكر زروق ) .
يتعلم الكادر السري علوم المخابرات و في مقدمتها السرية و ( التجسس لاختراق الحزب ) و التنكر و التمويه .
و الكادر السري يتقمص هيئة أعضاء الحزب الذي يكلف بالانضمام اليه في الزي و طريقة التحدث و نوع الطعام و ادعاء الاخلاص لزعيم الحزب و قادته و للمبادئ .
عقب ثورة الإنقاذ الوطني 1989 و ردت معلومات إلى إحدى الأجهزة المختصة تفيد بوجود نسخ من صحيفة الميدان الناطقة باسم الحزب الشيوعي و قد حظرتها الثورة ، ذلك في منزل مهجور بحي العرضة جنوب ، تحركت قوة لمراقبة المنزل قبل إقتحامه ،
مر أمام القوة شخص بمظهر أنصار السنة و امرأة منقبة و دلفا إلى المنزل ، و غادرا بعد أقل من ثلاث دقائق و لايحملان شئ و اتجها نحو شارع العرضة باتجاه الشرق .
كلف فردين بمتابعتهما بالأرجل ، وعندما و صل الرجل والمرأة بالقرب من قسم الشرطة الأوسط عبرا شارع العرضة بسرعة و دخلا حي اليهود هرولة و اختفيا هناك دون معرفة المنزل ، اشار التحليل إلى أنهما شيوعيان وربما كانت المرأة المنقبة رجل لهرولتها كالرجال ، و انهما ربطا نسخ الصحيفة على صدريهما و ظهريهما ، ذلك ان المنزل دوهم ولم يعثر فيه على شئ .
الكوادر السرية الشيوعية زرعت في السكة الحديد و الكهرباء و المياه و الموانئ البحرية و جميع نقابات العمال في مؤسسات الدولة و اخيرا في السوق ، بهدف السيطرة على الدولة بحجب الخدمات .
على انساقنا الأمنية النظر الى الحزب الشيوعي بعين البصيرة لادراك داخله و معرفة نواياه .
بالمناسبة هل كان الرشيد الطاهر بكر الامين العام لتنظيم الإخوان المسلمون كادرا سريا شيوعيا ؟ كونه شارك في انقلاب 1959 المدبر من قبل الحزب الشيوعي ؟ .
د. طارق محمد عمر .
الخرطوم في يوم الأحد 8 يونيو 2025 .
