
بوستة كلمة ايطالية POSTA تعني البريد او خدمة البريد ، وانتقلت الى اللغة العربية بواسطة الترك .
يقيني ان مخابرات اليونان هي من ابتكر نظام البريد لأن اليونان هي المؤسس للعمل الدبلوماسي وثيق الصلة بالنشاط المخابراتي ، ولأن مهام البريد ترتبط بالمعلومات ونقلها ،
ومن ذلك الخطابات والتلغراف والهاتف واللاسلكي .
والبريد مقصد لجميع أجهزة المخابرات في العالم منذ مئات السنين ، لأن عمل المخابرات محوره الخبر أو المعلومة .
أجهزة مخابرات الدول الرسمية منها والحزبية والبعثات الدبلوماسية وغيرها تحرص على تجنيد او زرع جواسيس في مؤسسة البريد للحصول على نسخ من مفاتيح صناديق البريد المستهدفة ، ولفتح مظاريف الخطابات والاطلاع على مادون فيها ونسخه باليد او التصوير ، وعملية الفتح كانت تتم في سرية تامة وغالبا ما تكون في الفترات المسائية ويستخدم فيها بخار الماء الساخن الذي يذيب المادة الصمغية ، ثم يغلق الظرف بعناية لاتثير شبهة او شك .
إن إدخال تحسينات على المادة الصمغية تجعلها لزجة لاتجف ، غير شك ابتكار أمني.
آلة التلغراف تصدر اصواتا لتقرات الآلة وكل نقرة تمثل حرفا ، لذا كانت أجهزة المخابرات تدرب عضويتها على أعمال التلغراف فيسترقون السمع لنقرات الآلة ويدونون ما سمعوا لغة ، والتلغراف في مبتدئه كان سلكيا اي عبر اسلاك الهاتف ثم صار لاسلكيا .
الهاتف يخترق عبر نظام السنسر وفيه يربط السلك الموصل لهاتف الشخص المستهدف بسلك وهاتف أمني فيتم التنصت .
اما اللاسلكي فهو جهاز يعمل بموجات اشبه بالمستخدمة في الاذاعات ، فتعمل أجهزة المخابرات على معرفة موجة الإرسال لتستمع للمحادثات .
في مرحلة الصبا ( 1970 الى 1975) كنا في مدينة الأبيض ومنزلنا مجاور لرئاسة البوليس وبه مكاتب أمنية ، حركت مؤشر المذياع لاستمع لمحطات دول أخرى، فالتقطت محادثات لاسلكية بعضها بلغة مشفرة لم افهما فحكيت لوالدي ما سمعت فنهاني عن ذلك وأضاف : إنها أسرار دولة يجب المحافظة عليها .
كان أبي وكيلا بمصلحة البريد والبرق والهاتف او البوستة وكنت اتحين الفرص لزيارته في المكتب وقد لاحظت وجود لافتات على جانب أبواب المكاتب لونها أحمر وكتابتها بيضاء ، مكتب الوكيل مكتوب عليه ممنوع الدخول الا بإذن ، مكتب اللاسلكي ممنوع الدخول بتاتا ، الهاتف ممنوع الدخول لغير العاملين ، مكتب التلغراف ممنوع الدخول لغير العاملين .
ولاحظت ان مكتب الوكيل ونائبه ومساعده تتكون جدرانه من حائط اسمنتي بارتفاع متر والشق الاعلى زحاجي ، ذلك لمتابعة كل ما يدور في صالة الموظفين ، ويبدو ان التصميم بريطاني ومعمول به في أميركا ، حتى السفارات يشبه تصميمها تصميم مكاتب البوستة .
ليضمن المستعمر البريطاني سلامة مراسلاته عين موظفين مصريين واقباط في البوستة لمراقبة الموظفين السودانيين خاصة بعد تنامي الشعور الوطني المنادي بالاستقلال ، قال لي والدي وكان من مناصري الازهري ومن كوادر أمن تنظيمه : كنا نتضايق جدا من هؤلاء الموظفين النصارى الموالين للمستعمر بحكم انتمائه المسيحي وندرك مراقبتهم لنا .
وكان اللواء أمن/ لويس سدرة وهو مسيحي ، مسؤولا عن شبكات النصارى في البوستة وبقية مؤسسات الدولة .
ولاحظت وجود علاقة وثيقة تربط بين اللواء أمن/ ابراهيم حسن خليل مدير الأمن العام وحسن ابراهيم بشير المدير العام للمؤسسة العامة للبريد والبرق والهاتف وكان لايرفض لإبراهيم طلبا .
د. طارق محمد عمر .
الخرطوم في يوم الثلاثاء 29 يوليو 2025 .