مقالات

دس المنشور في حرز القائد .

د.طارق محمد عمر

حركة الاخوان المسلمون كونت أولى خلاياها التنظيمية بفرع السودان سنة 1949 ، ضمت كل من علي طالب الله و صادق عبد الله و محمد يوسف محمد ، و ثلاثة امضوا عامين او اكثر في التنظيم الشيوعي و هم يس عمر و بابكر كرار و ناصر السيد و قد اعترف يس بأنه كان غواصة في التنظيم الوليد ثم اهتدى ، و ميرغني النصري .
يبدو أن إدارة ملف الاخوان بواسطة مدير الفرع المخصوص (الأمن ) و قتها العميد / بابكر الديب ، قد نما إلى علم الجماعة بواسطة احد المحاميين محمد يوسف محمد او ميرغني النصري بحكم عملهم القريب من دوائر الشرطة و البحث الجنائي .
و كان الديب قد افترع ملفا أمنيا لمراقبة و رصد و اختراق جماعة الاخوان الوليدة ، و قد آثار رفض احد العسكر القيام بالمهمة بحجة مخالفتها للإسلام، آثار ارتباكا في الاوساط الأمنية ، خاصة بعد العقاب الذي لحقه ، و كان قد كلف بتادية صلاة المغرب و العشاء بمسجد الخرطوم العتيق في أيام اجتماع الخلية الاخوانية ، و استراق السمع لما يقولون و التقرير بشانه .
كلفت جماعة الاخوان المسلمون عضو التنظيم طالب الحقوق بجامعة القاهرة فرع الخرطوم / غازي احمد مصطفى الموظف في قسم الجوازات بالداخلية ، لوضع منشور يسئ للديب و قوات الأمن في مكتبه ، و كان المكتب على بعد خطوات من المكتب الذي يعمل فيه غازي ضمن آخرين.
حضر غازي باكرا للمكتب و وجد مراسلة الديب ينظف في مكتبه فاخرج من جيبه مبلغ مالي و طلب منه إحضار كوبين شاي أحدهما للمراسلة الذي ترك مهمة التنظيف و هرول لإحضار الشاي بينما نسي مفتاح باب المكتب
معلقا عليه، فتح غازي الباب بسرعة و دلف إلى المكتب و فتح اول درج و وضع داخله المنشور ثم خرج و أغلق الباب من خلفه و عاد الى مكتبه .
حكى لي الاستاذ/ غازي : ان الديب لما حضر فتح اول درج فوجد المنشور و اطلع عليه ، فاستدعى على الفور نائبه و مساعديه و اخبرهم بالمنشور .
اجتمعوا لوقت لم يتعد العشر دقائق و يبدو انهم توصلوا إلى أنني من فعلت ذلك .
قال : كل دقيقة يفتح باب مكتبي كبار ضباط الأمن الواحد تلو الآخر و ينظرون الي مبتسمين ، و فجأة سمعت ضربة قوية على الباب فإذا بالديب شخصيا هو من ركل بالبوت الباب ففلقه لنصفين، و صاح في و جهي قائلا : يافيصل انت مش عايز تترك البتعمل فيه دا ؟ ، فعرفت انهم اكتشفوا أمري ، فطلبت من مديري المباشر اجازة لمدة أسبوع لأسباب عائلية فوافق عليها ، عدت بعد الأسبوع فوجدت موظفا جديدا يجلس على مكتبي فقال لي : انا موظف جديد عينت بدلا عن موظف يدعى/ فيصل ( وهو الاسم الذي يناديه به قادة الأمن ) ، فعلمت انهم رفتوني من العمل فذهبت إلى الحسابات فوجدت مستحقاتي جاهزة استلمتها و غادرت ، يقيني انهم ان عثروا على دليل لسجنت .
أرى انهم توصلوا اليه بناء على تحريات سابقة أفادت بانه من الاخوان و ربما كان مشروعا التجنيد لاختراق الجماعة باتفاق بين الديب و نائبه ابراهيم خليل ( خال والدة غازي ) .
محمد احمد المحجوب رئيس و زراء السودان عاد إلى منزله بعد الدوام فوجد بداخله منشورا معاديا باسم الضباط الاحرار ذلك في أبريل 1969 اي قبل شهر من انقلاب ثورة مايو الذي قاده العقيد/ نميري رئيس تنظيم الضباط الاحرار .
غضب المحجوب فاستوضح مدير الأمن العام اللواء / عبد الوهاب ابراهيم ثم شكل له لجنة تحقيق .
فمن ياترى فعل ذلك ؟.
للاجابة على السؤال أشير إلى الآتي :
العمال المخصصون لخدمة منازل قادة البلاد عددهم لايقل عن عشر في كل منزل ، يعملون في الطهي و النظافة و الغسل و الكي فضلا عن المراسلة و السائق و الحرس .
الحزب الشيوعي يملك أجهزة أمنية مقتدرة، و وقتها كان يضع اللمسات الأخيرة لانقلاب مايو بالتنسيق مع الضباط الاحرار ( قوميون شرقيون في المظهر ، غربيون في الجوهر ) .
فلا استبعد تجنيد الشيوعيون لاحد العمال و تكليفه بوضع المنشور داخل المنزل .
الاستخبارات العسكرية المصرية هي التي اسست تنظيم الضباط الاحرار داخل الجيش السوداني عقب الاستقلال مطلع يناير 1956 ، و كانت السلطات السودانية قد أعلنت الملحق العسكري المصري / علي خشبة شخصا غير مرغوب في بقائه بالسودان لاتصالاته المريبة بضباط الجيش .
تتخذ الاستخبارات المصرية غطاءات تمكنها من اختراق منازل المسؤولين السودانيين و من ذلك ، تنجيد و صيانة الأثاث و اعمال الديكور و فرش الارضيات و عرض و بيع الاواني المنزلية .
لذا ارجح انهم من دسوا المنشور للمحجوب في منزله .
قائد الاستخبارات العسكرية التابعة للحزب الشيوعي / عبد المجيد شكاك كان يجتمع ليلا باعضاء خلايا الحزب في الجيش وينورهم و يشرح لهم المهام الجديدة ويدربهم على إخفاء و حمل المنشورات و الرسائل السرية و من ذلك و ضعها داخل أكياس ورقية و من فوقها خضار وخبز لخداع عناصر الاستخبارات ، و من ثم يدلفون بها إلى مكاتب كبار الضباط في غيابهم و يضعون لهم المنشورات داخل ادراج مكاتبهم ، و لم يحدث ان كشفوا ، و قد استخدموا هذه الطريقة في التحضير لانقلاب 19 يوليو 1971 .
عقب اعتقال جهاز أمن الدولة للاسلاميين في العام 1985 و ايداعهم السجون ،استطاع الاستاذ /علي عثمان إدخال رسالة إلى الرئيس نميري داخل مكتبه في القصر الجمهوري متوعدا اياه بتفجير القصر و من فيه اذا مس شعره من رأس اى من المعتقلين ، فهاج النميري و ماج و لام نائبه رئيس جهاز الأمن عمر الطيب على تسرب علي عثمان من بين ايديهم .
د. طارق محمد عمر .
الخرطوم في يوم الخميس 13 مارس 2025 .

النصر نيوز

المدير العام ورئيس التحرير:     ام النصر محمد حسب الرسول

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى