لا يزال صداه يتردد في التايم لاين والصحافة الأجنبية،، تشييع إيلا،، وفاء الجماهيـر..
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو

الحشود جسَّدت حالة من التوحد الوطني العابر للخلافات الحزبية والإثنية..
التذكير بقيمة رجل ترك بالتفاني والإخلاص، أثراً في حياة الناس..
د. عوض: من النادر أن يلتقي الناس على تقدير رجل كما فعلوا في وداع إيلا
لا يزال التايم لاين ينقل تفاعل السودانيين على منصات التواصل الاجتماعي، وتداول عدد من وسائل الإعلام المحلية والأجنبية، صوراً ومشاهد للتشييع المهيب الذي حظي به الدكتور محمد طاهر إيلا في مدينة بورتسودان التي ضاق “استادها” على سعته، في وداعٍ عكس حجم التقدير الشعبي والسياسي لرجل أجزل لوطنه العطاء، فنال من الناس تقديراً ووفاء، وحمل التفاعل اللافت في الفضاء الإلكتروني السوداني، في طيّاته دلالات سياسية واجتماعية عميقة، عبّرت عن إجماع نادر في المشهد السوداني المضطرب، حيث التقت كل الأطياف السودانية من تنظيمات، وأحزاب، ومنظمات مجتمع مدني، ونخب، ومواطنين عاديين، التقوا جميعاً على تكريم رجلٍ طالما قُدّر إنجازه وتفانيه في خدمة وطنه، فشهد له الخصوم قبل الأصدقاء بنزاهته وانضباطه الإداري وتفانيه في العمل العام.
يوم استثنائي:
وكانت مدينة بورتسودان عروس البحر الأحمر قد شهدت يوماً استثنائياً في تاريخ السودان الحديث، حيث احتشدت ومنذ الصباح الباكر، جموعٌ غفيرة من المواطنين من مختلف أنحاء البلاد، بمختلف مشاربهم السياسية والاجتماعية لإلقاء النظرة الأخيرة على دكتور محمد طاهر إيلا، زعيم شرق السودان وأحد أبرز القيادات السياسية في العقود الأخيرة، في مشهدٍ نادر جمع بين التقدير والوفاء والتسامح الوطني، حيث جاء التشييع وسط مشهد بالغ الدلالة، إذ تجسّدت في الحضور الجماهيري الواسع، حالة من التوحد الوطني العابر للخلافات الحزبية والإثنية، فقد حضر خصوم وأصدقاء، مسؤولون ومواطنون، من كافة التيارات، في رسالة صامتة لكنها بليغة، بأن السودان ما زال قادراً على الاتفاق حينما يتعلّق الأمر بالوفاء، لمن خدم، وأخلص، وأجزل العطاء.
ويبقى الأثر:
ووفقاً لمراقبين فقد تخطت لحظة وداع دكتور محمد طاهر إيلا الحسابات السياسية الضيقة، وأعادت التذكير بقيمة الرجال الذين يتركون بالتفاني والإخلاص، أثراً في حياة الناس، ذلك أن إيلا لم يكن مجرد زعيم في حزب المؤتمر الوطني الذي حكم البلاد نحو ثلاثين عاماً، بل كان قائداً تنموياً ترك بصماته على الأرض، وخاصة في ولايتي البحر الأحمر والجزيرة، حيث تتحدث البنية التحتية والخدمات عن إنجازاته أكثر مما تتحدث الكلمات، فكانت إنجازاته وقدراته المهنية والإدارية الفذة، بمثابة سلمٍ صعد به من حاكم ولائي إلى درجة المسؤول التنفيذي الأول في السودان طمعاً في استفادة البلاد من خبراته وعطائه اللا محدود، بيد أن يد التغيير والإطاحة بنظام الرئيس عمر البشير كانت أسرع من طموح إيلا وتطلعاته لخدمة بلاده، ومع ذلك ظلّ الرجل يحتفظ بمكانة كبيرة في أفئدة وقلوب السودانيين، فقد كان الحشد الكبير غداة تشييعه موقفاً أكبر من وفاء وتقدير، بل هو تعبير عن توق السودانيين إلى المعاني الجامعة والمواقف التي تتجاوز الاصطفاف والتخندق، وفي وقتٍ يعاني فيه الوطن من نزاعات وحروب وصراعات، جاءت لحظة التشييع وكأنها نقطة توازن وجدانية، تعيد التأكيد أن وحدة الشعب ممكنة حين يكون الموقف نابعاً من ضمير وطني مشترك.
مشهد نادر:
ويرى دكتور عبد العظيم عوض الخبير الإذاعي والكاتب الصحفي أن دكتور محمد طاهر إيلا لم يكن مجرد موظف رفيع في الدولة، أو مسؤول سياسي صاحب وزن كبير، وإنما كان شخصية حازت على الاحترام من أطراف متعددة، حتى من أولئك الذين اختلفوا معه سياسياً، وقال دكتور عبد العظيم في إفادته للكرامة إن تشييع دكتور محمد طاهر إيلا حمل بين طيَّاته دلالة عميقة في المشهد السوداني، حيث إنه من النادر أن يلتقي الناس على احترام وتقدير رجل كما فعلوا في وداع إيلا، مبيناً أن في الخطوة إشارةً واضحة إلى أن العمل الصادق، مهما كان موقع صاحبه، يجد طريقه إلى القلوب، وزاد دكتور عوض: ” لقد شكّل رحيل إيلا فرصة للتأمل في معنى القيادة الوطنية الحقيقية، التي تنطلق من خدمة الناس لا من الصراع على المناصب”، مبيناً أن مراسم التشييع أكدت أن الناس تميز بين من يعمل لأجلهم ومن يعمل لمصالحه الشخصية، وأن الذاكرة الشعبية تحفظ الوفاء لمن يستحقه.
خاتمة مهمة:
ومهما يكن من أمر فقد لبّى دكتور محمد طاهر إيلا نداء ربه، فانتقل إلى الرفيق الأعلى في رحيل شكَّل حدثاً وطنياً عميق الدلالة، لقد أثبت التشييع المهيب للرجل أن القلوب السودانية لا تزال تتسع لكل من خدم بإخلاص، وأن الوطن، رغم الجراح، لا يزال يعرف كيف يحتفي برجاله الكبار، وفي زمن سمته الغالبة التشتت والانقسام، جاء تشييع إيلا ليعلّمنا أن الوحدة الوطنية لا تحتاج إلى شعارات كبرى، بل إلى رجال كبار.