تقارير

سطّروا أروع الملاحم، ودافعوا عن مدينتهم بجسارة،، مستنفرو الفاشر،، شعب في خندق الجيش..

تقرير: إسماعيل جبريل تيسو

فضَّلوا الموت، على أن يسمحوا للميليشيا ومرتزقتها اجتياح الفاشر..

حاضنة اجتماعية متماسكة رفضت الانقسام، أو الانحياز لصفوف الميليشيا..

مطالبات بتدخل عاجل من قيادة الدولة لمعالجة مشكلات المستنفرين..

 

لأكثر من عامين ونصف يواصل المستنفرون في مدينة الفاشر تسطير أروع الملاحم البطولية في تاريخ السودان الحديث، وهم يقاتلون جنباً إلى جنب وفي خندق واحد مع القوات المسلحة والقوات المشتركة، في التصدي لميليشيا الدعم السريع المتمردة، ومرتزقتها الأجانب، ومواجهة ما يزيد عن (240) موجة متكررة من الهجمات الانتحارية، ورغم كثافة الهجمات وضراوتها، ظلت مقاومة المستنفرين راسخة، وتضحياتهم باذخة، إذ قدّموا ومازالوا يقدمون قوافل من الشهداء والجرحى والمصابين، لم تنكسر عزيمتهم، ولن تلين، ولم تمت إرادتهم، وما انفكَّوا يقاتلون دفاعاً عن الفاشر وأهلها.

قسم بحماية الفاشر:

ومدينة الفاشر هي واحدة من خمس عواصم دارفورية ظلت عصية على ميليشيا الدعم السريع منذ اندلاع تمردهم في الخامس عشر من أبريل 2023م، فعقب سقوط مدن الضعين، والجنينة، وزالنجي، ونيالا في أيدي ميليشيا آل دقلو، رأى أهل الفاشر حجم الانتهاكات والجرائم المروِّعة التي ارتكبتها الميليشيا في حق المدنيين في المدن المحتلة، فما كان منهم إلا وأن أقسموا بالله جهد إيمانهم ألا يدخلنَّها عليهم متمرد أو مرتزق من ميليشيا الدعم السريع وهم أحياء، فنفروا خفافاً وثقالا، نساءً ورجالا، وانضموا لقوافل الجهاد والنضال ملتزمين مواقعهم ضمن المقاومة الشعبية للقتال جنباً إلى جنب مع القوات المسلحة والقوة المشتركة، ولعل ما يميز شباب الفاشر من المستنفرين، هو وحدتهم وتماسكهم مقارنة بالمدن الأخرى التي سقطت تباعاً في يدي المتمردين، فقد ظلت الفاشر متماسكة بحاضنتها الاجتماعية التي رفضت الانقسام أو الانحياز لصفوف الميليشيا، بل حتى بعض أبناء القبائل العربية الذين استُقطب جزءٌ منهم إلى صفوف الدعم السريع، فضّلوا الانضمام للمستنفرين والدفاع عن المدينة.

استنفار شامل:

ويحكي لسان الواقع أن الاستنفار في الفاشر لم يكن حكراً على فئة بعينها، بل جاء شاملاً لكل مكونات المجتمع، فقد لبّى النداء موظفون، وأطباء، ومهندسون، وتجار، ومعلمون، وطلاب، ومعاشيون، ومواطنون، من مختلف الفئات العمرية، شباباً وشيوخاً، ولم تتخلف نساء الفاشر عن ركب الانضمام لمسيرة المقاومة الشعبية والاستنفار والتعبئة الجماهيرية، فكان للنساء من “ميارم الفاشر”، دورٌ محوري لا يقلُّ خطورةً وفخامة عن دور الرجال، فقد قدم ” الميارم” الطعام للمقاتلين، وأسعفن الجرحى، ووقفن على خطوط الإمداد الخلفية، بل إن بعضهن حملن السلاح وشاركن مباشرة في المعارك، ولعل خير مثال “لميارم الفاشر” النموذج الذي جسّدته أيقونة النساء، وسيدة الشهداء الطبيبة والمقاتلة ” هنادي النور داود” التي قدمت نموذجاً ناصعاً لمعنى العطاء والتضحية في الفداء، فلم تكتفِ بمعالجة الجرحى وتضميد الجراح، ولا بتجهيز الطعام للأطفال والمقاتلين، بل تجاوزت ذلك لتلتحق بالميدان حاملةً السلاح، مدافعةً عن الأرض والعرض، حتى ارتقت في أبريل الماضي، شهيدةً في معركة شرسة بمعسكر زمزم، لتصبح الطبيبة هنادي رمزاً خالداً لصمود المرأة السودانية وتضحياتها.

تضحيات وتحديات:

ورغم هذه المواقف الأبية، والبطولات القوية، فإن واقع المستنفرين لا يخلو من التحديات، فقد كشف عدد من المستنفرين الذين تحدثوا للكرامة من الفاشر أنهم يواجهون مشكلات متصلة بالتشوين والإمداد الغذائي، إلى جانب استحقاقاتهم المالية وظروف أسرهم وعائلاتهم التي تحتاج إلى رعاية واهتمام، وناشد عدد من المستنفرين هيئة القيادة العليا بضرورة الالتفات إلى قضاياهم العاجلة، تقديراً لتضحياتهم الجسيمة، وضماناً لاستمرارية الصمود في الفاشر، التي تحولت إلى رمز للبقاء والتحدي، ويرى الصحفي أبو أسيل الطريفي حمد، أنه منذ اندلاع الحرب، برز المستنفرون في مدينة الفاشر كخط الدفاع الشعبي الأول عن مدينتهم، حيث نذر شبابها أنفسهم للتصدي لأي محاولة لاجتياحها، وقال أبو أسيل في إفادته للكرامة إن المستنفرين الذين يمثلون مختلف شرائح المجتمع، من أساتذة وطلاب وعمال ومهنيين، انخرطوا في صفوف المجموعات الشبابية المدربة على السلاح، على غرار تجربة الدفاع الشعبي في السابق، ليقفوا جنباً إلى جنب مع القوات المسلحة والقوات المشتركة، مبيناً أن للمستنفرين قيادةً منظمة تضم قائداً عاماً للفيلق الشبابي، وقادةً ميدانيين للكتيبة الخاصة، وهم على تواصل مستمر مع القيادة العليا، وتتحرك أوامرهم تحت مظلة القوات المسلحة، مؤكداً أن دور المستنفرين لم يقتصر على حمل السلاح فقط، بل ساهموا في إسناد العمل الإنساني داخل المدينة، من إسعاف الجرحى في المستشفيات إلى المساعدة في حماية المدارس والمرافق التي دُمرت جراء الحرب.

خاتمة مهمة:

ومهما يكن من أمر فقد أثبتت تجربة المستنفرين في الفاشر أن الشعب حينما يتوحد مع جيشه، لا تنكسر له إرادة، ولا تنهزم له عزيمة، فقد وقف الجميع في فاشر السلطان،صفاً واحداً، رجالاً ونساءً، في ملحمة تاريخية تُكتب بمداد الدماء والوفاء، وستظل شاهداً على أن الدفاع عن الوطن ليس مهمة الجيش وحده، بل قضية كل مواطن ومواطنة، وعلى القيادة العليا الالتفات إلى معالجة بعض المشكلات التي تواجه بعض المستنفرين بتطوير “الأداء الإداري” ليواكب التضحيات الجسام التي يقدمها المستنفرون الذين انخرطوا في صفوف المقاومة الشعبية بقناعة راسخة، ملتزمين بالبقاء داخل الفاشر ثابتين وصامدين، ولسان حالهم يقول: “فإمّا حياةٌ تسرُّ الصديق، وإمّا مماتٌ يُغيظ العِدا”.

النصر نيوز

المدير العام ورئيس التحرير:     ام النصر محمد حسب الرسول

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى