
بعد ان نجحت المخابرات البريطانية في اختراق بلاط حكم الخليفة عبد الله التعايشي إثر زرعها العميل/ الطيب ود الحسين مستشارا للخليفة و ما ترتب عليه من فقدان ثقته في أهل الشمال ( اولاد البحر ) و اعتماده على امراء من اهله لاهم بالمراهقين ولا الشباب ، فترت علاقة امراء الشمال بحكومة الخليفة و تواصل بعضهم مع مخابرات و نجت المعسكرة على الحدود السودانية المصرية بين الفيوم و اسوان .
عبد الله ود سعد ود فرح او عبد الله سعد فرح هو مك الجعليين انذاك و مقره المتمة ، هاجر الى المهدي في كردفان وبايعه ، فعينه اميرا للجعليين .
عاد و اشترك في معارك عطبرة و ابوطليح و المتمة و ابلى بلاء حسنا .
استدعاه الخليفة الى ام درمان لحضور اجتماع خاص بترتيبات صد هجوم كتشنر ، في الاجتماع قال له الخليفة : راينا اخلاء المتمة من كبار السن و النساء و الاطفال حتى لايفتك بهم العدو و ترحيلهم الى شندى ، و ابقاء سوق المتمة فاتحا و ما فيه من بضائع ليسد حاجة المجاهدين ، و اضاف : و انا ارسلت لاهلك في المتمة من يخبرهم بقرار الاخلاء ( هذا لم يعجب ود سعد لكنه صبر وان ظهرت عليه علامات الامتعاض ) ، ثم قال له : و ردتني معلومات عن مراسلات بينك و الخواجات ( اي انك تتآمر ضد الدولة ) فظهرت علامات الغضب على المك و نفى ذلك ، لكن الخليفة استمر في اتهامه بقوله : لو فتشتك بلقى الوريقات في جيبك ، فزاد غضب ود سعد وتوتر جو الاجتماع و خرج ألمك من المجلس دون اذن قاصدا منزل قريبه الأمير الياس ام برير ، قيل ان هدف الزيارة كان التشاور حول التصرف المناسب تجاه الخليفة ، بعدها غادر الى المتمة دون اذن من الخليفة .
في العصر سأل عنه الخليفة فقيل له : الأمير ود سعد غادر الى المتمة ، فأرسل من يطلب منه العودة ، لكن عندما و صله الرسل كان و وفده على مشارف المتمة فرفض العودة ، و طلب منهم ان يقولوا للخليفة: ( عبد الله ود سعد كفر و قال ليك ما جايي ) ، عاد الرسل و اخبروا الخليفة فاسرها في نفسه ،لكنه امر بحبس الأمير/ الياس ام برير في سجن الساير و تطويب غرفته حتى الموت و قد كان ، ثم امر بتغيير اسم فريق او حي الياس ام برير إلى ود البنا .
كلف الخليفة الأمير/ محمود ود احمد و عمره و قتذاك 23 سنة بقيادة جيش قوامه 40 الف مقاتل و الزحف نحو الشمال لصد الغزاة حال تحرك جيشهم و بالعدم تدعيم جيش الأمير/ عبد الرحمن النجومي بالقرب من توشكي .
لما و صل محمود بجيشه الى منطقة المتمة وقف خارجها و أرسل رسولا إلى ألمك ود سعد ليتاكد من انفاذ امر الخليفة باخلاء المدينة و ابقاء السوق فاتحا و منح الأذن لدخول المدينة ، لكن ود سعد رفض طلب دخول الجيش على الرغم من اخلاء المتمة من معظم أهلها عدا اصحاب الأعذار و 800 شاب مقاتل من أبناء المتمة ، جهزهم بالبنادق و الاسلحة البيضاء .
ارسل الأمير/ محمود خطابا الى الخليفة يعلمه فيه رفض ود سعد دخول الجيش و أنه انتظر ثلاثة أيام لعله يعدل عن رأيه دون جدوى ، رد عليه الخليفة بأن وجه له إنذارا اخيرا فان لم يستجب هاجموا المدينة و اقتلوا ود سعد و من معه .
كان المجتمع الامدرماني يرهف السمع لاخبار المهدية راجيا زوالها ، فتغنت النساء بما يعير الأمير محمود بالخوف و التردد .
صباح الخميس 1 يوليو 1897 هجم 12 الف مقاتل على المتمة فتصدى لهم ألمك و قواته بالسلاح الناري و قد استعصموا بالمنازل ، انتهت المعركة بقتل عبد الله ود سعد و جميع قواته ، بينما قتل 3500 من الأنصار و جرح بقية المقاتلين .
تدفق باقي الجيش إلى المدينة بحثا عن الطعام و الشراب فلم يعثروا على مايسد رمقهم لان ود سعد امر بطمر كل مايؤكل في باطن الارض و أرسل لبقية مدن و قرى الجعليين بأن يمنعوا الطعام عن قوات محمود .
ستنا بنت قند اليمن ، و قند اليمن تعني عصير قصب السكر المتجمد حلو المذاق طيب الرائحة و لعله لقب و الدتها ، ستنا كانت آية من الجمال فيما روي و هي جدة الكاتب لأبيه، كانت ترضع مولودها حين دخل عليها الجند و قال أحدهم هذه المرأة جميلة نرسلها هدية إلى خليفة المهدي و حاول ان يمسك بيدها فقالت له : ملعون ابوك و ابو الخليفة ، و اصابته بحديدة على هامته فجندلته من فوره ، اخذ أحدهم طفلها و قذف به إلى الهواء و تلقاه بالرمح ففارق الحياة ، ثم انهالوا عليها طعنا بالرماح حتى فارقت الحياة ، هذه رواية شقيقتها الصغرى الحرم الملقبة ببت بره ، لحظة الحادث كان عمرها 6 سنوات سمعت ورات ما حدث و قد خبات نفسها في التكل و هو محل اعداد رقائق الكسرة و عادة مايكون صغير الحجم و المساحة و جدرانه متوشحة بالسناج .
قدم الجعليون مساعدات جمة لجيش كتشنر الزاحف نحو ام درمان و اصروا ان يكونوا في مقدمته بشرق و غرب النيل و داخل الوابورات الحربية النيلية .
وقعت معركة كرري في السادسة من صباح يوم الجمعة 2 سبتمبر 1898 و انتهت في ظرف ساعتين لصالح الغزاة ، لم تنج منها الا كتيبة الجعليين المقاتلة مظهرا مع الخليفة و من مد الله في أجله .
كان كبار الأمراء و قادة الجيش الماسورين يتم حجزهم داخل الوابورات لاغراض التحقيق فقام الجعليون بذبحهم جميعا وفر الخليفة و أهله و أعوانه من ام درمان و الانظار ترمقه شامتة ( ما لان فرسان لنا بل فر جمع الطاغية ) ، بينما استقبل كتشنر بالدفوف و الزغاريد .
ترتب على مجزرة المتمة تحول الجعليين من طائفة الأنصار إلى الختمية ، و اعتبروا الأنصار كفارا خارجين عن الملة فلا يصلون في مساجدهم و لايزوجونهم و لايتعاملون معهم تجاريا و لايشاركونهم الأفراح و الاتراح ، لكن بالتعايش داخل العاصمة و المدن زالت تلك المرارات شيئا فشيئا .
د. طارق محمد عمر .
الخرطوم في يوم الأربعاء 29 يناير 2025 .