
الزمان اخر العام 1967 ، المكان مدرسة الكادر الشيوعي السري بحي الموردة جنوب ، المناسبة عزاء زوجة صاحب المنزل / خالد أحمد ، جار و صهر جدي ابراهيم خليل مدير الأمن و البوليس وكيل الاستعلامات و العمل .
طلب والدي من امي تجهيزنا بملابس أنيقة ، انا و شقيقي الأكبر فخر الدين لان الزعيم الازهري سيحضر للعزاء في الثامنة مساء ، كنا ندرس بمدرسة كتاب الرشاد غرب قشلاق البوليس ، مسجد النيلين الحالي .
دلفنا الي بيت العزاء في السابعة مساء و وجدنا الوالد يوجه العمال بتجهيز كراسي وثيرة للزعيم و صحبه ، ثم يسرع نحو مسؤولي الضيافة و يطمئن على تجهيزات الماء البارد و الشاي الأحمر و شاي الحليب و القهوة ، عندما صرت ضابطا و علمت ان والدي كان ضمن منظومة مخابرات الزعيم الازهري ، ادركت انه كان يعمل على تأمين الموقع و مكان جلوس الزعيم و ما يشرب ، لاسيما و ان الازهري لعب دورا مهما في حل الحزب الشيوعي و طرد نوابه من البرلمان ، و المنزل كان مركزا سريا للحزب و قد لاحظت خلوه من الكتب الماركسية التي كانت ترتفع بطول جدرانه و يطالعها شباب الشيوعي باهتمام ونهم .
في الثامنة الا خمس دقائق مساء خرج جدي ابراهيم خليل و والدي إلى الشارع لاستقبال الزعيم و مرافقيه فلحقنا بهم .
توقف رتل السيارات و في مقدمتها دراجة نارية يقودها بوليس حركة تليها سيارة الحرس ثم السيارة المقلة للزعيم وخلفها سيارات لعدد من الوزراء .
ترجلوا من السيارات مرتدين بدلات كاملة و ربطات عنق ، بنيتهم قوية سريعي الخطى كلهم ثقة ، يشعون أملا و بشرى .
تم اجلاسهم في الأماكن المخصصة لهم وجلس جدي ابراهيم قبالة الازهري ،بينما اسرع والدي نحو البوفيه ليوجه مسؤولي الضيافة بالتحرك ، كانوا يرتدون الزي السودان، جلابية بيضاء وعمامة وحزام اخضر في الوسط .
نظر الي الازهري و قال لي : تعال ياشاطر ، جئته وحياني ببسمة عريضة وحاورني كالآتي:
اسمك منو ؟ طارق محمد عمر ، والدك بشتغل شنو ؟ وكيل بوستة ، لحظتها نظرت إلى والدي فعرفه وابتسم .
بتدرس في ياتو مدرسة ؟ الرشاد ، في اي سنة ؟ أولى.
عندما تذهب إلى المدرسة بتلقى منو ؟ الناظر و المدرسين ، صرفوا ليكم الكتب و الكراسات و الاقلام ؟ نعم .
ناس الصحة بنظفوا الشوارع كل يوم ؟ نعم بالصباح و المساء ، وبرشوا الجمكسين ؟ نعم .
بتاكل فواكه ولحم و تشرب لبن ؟ نعم .
أقرب شفخانة بتتعالجوا فيها وين ؟ شفخانة بانت ، بتلقوا الأطباء و الممرضين موجودين و بيصرفوا ليكم الدواء مجاني ؟ ايوا .
عندما صرت ضابطا و تذكرت ذلك اللقاء ، ادركت انه كان ذو طبيعة استخبارية فتحريت و بحثت و اكتشفت ان الازهري تدرب استخباريا في مصر إبان حكم الملك فاروق ، و أنه كون جهازا استخباريا خاصا بتنظيمه ، بهيكل ضم إدارات عدة ، منها الأمن الداخلي ، و مكافحة التجسس ، و التأمين، و الارشيف ثم توصلت إلى ان المخابرات المصرية لم تدربه على المخابرات الخارجية بدليل ان المخابرات الأمريكية تلاعبت بالدوائر الانتخابية في السودان لصالح حزب الأمة فخسر النتيجة ،ثم سلمت السلطة إلى الفريق/ ابراهيم عبود قطعا لطريق فوزه في الانتخابات التالية ، و اخيرا سلمت السلطة إلى العقيد / جعفر نميري في 25 مايو 1969 و انزلته من مجلس السيادة و اودعته معتقل كوبر حتى وفاته .
اذن من المهم ان يكون قائد الدولة و نوابه و مساعديه على ثقافة عالية بشأن المخابرات .
نحو سودان جديد .
د. طارق محمد عمر .
الخرطوم في يوم الثلاثاء 4 مارس 2025 .