مقالات

سامحنا في التقصير !

ياسر الفادني

عندما يتهادى لحن المدحة السودانية “ساكن المدينة الخير” والتي عصفها نبضا غارق في عشق الحبيب إلى مسامعنا ، نشعر وكأن الروح قد سافرت بلا إذن إلى المدينة المنورة، حيث الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ، هذه الكلمات ليست مجرد نظم بل هي نداء مشتاق، قلبٌ معلَّقٌ بأستار الجنة، ولسانٌ تفيض حروفه شوقًا لمقام سيد الخلق ، إنها ليست مدحة فحسب، بل تضرعٌ وتوسلٌ أن يتقبلنا الله في درب النور، وأن يغفر لنا زلاتنا، فقد “أصبح زمنًا قصير، وبقت شمسنا عصير”

القصيدة، بقوة بيانها تعتمد على الجماليات البلاغية التي تمنحها سحرًا خالدًا ، ها هي الاستعارة تفيض في كل بيت، إذ تصبح المدينة مقامًا للخير، والمسير إليها مسيرة النجاة، والتقصير ظلمة تهدد القلوب والتكرار، المتقن بعبارة “أنا ناوي ليه”، يرسِّخ العزم في قلب السامع، ويؤكد أن هذا القرار ليس مجرد حلم، بل هو واجب يسعى إليه المحبون

أما اللحن، فهو ليس مجرد تتابع نغمي، بل هو روح تستدرج المشاعر من مكامنها، سلالمه الموسيقية تنتمي إلى المقامات الحجازية والسلم الخماسي، التي تميّز المديح السوداني العريق تجتمع فيه البساطة والعذوبة، فتفتح للقلوب أبواب الذكر، وتستحث الدموع أن تسيل حبًا وتوقًا ، اللحن يسير برفق، ثم يحلق عاليًا مع النشوة، فيحملك بعيدًا وكأنك على أعتاب المسجد النبوي، تنظر إلى القبة الخضراء، وتُسمعك دقات قلبك المتسارعة صوتًا واحدًا: “أنا ناوي ليه”.

إنه مدح لا يخاطب العقول بقدر ما يفتح نوافذ الروح. فيه تسكن عاطفة المحب، الذي لا يملك إلا أن يعترف بتقصيره، ويطلب العفو ممن هو رؤوف رحيم، صلى الله عليه وسلم. “سامحنا في التقصير” ليست مجرد جملة، بل هي زفرة تخرج من قلب كل محب يشعر أن ما قدمه قليلٌ أمام مقام عظيم فكيف نصل إلى حضرة خير الورى وقد شغلنا الدنيا عن دربه؟ كيف نزاحم الصحابة في حبه، ونحن غارقون في الغفلة؟ لكنها الرحمة، التي تجعل حتى العاصي يرجو القرب، وتجعل حتى المذنب يتمنى نظرة عفو

 

إني من منصتي انصت بحب…. لهذه المدحة وفي مخيلتي أنها ليست نصًا يُحفظ، ولا لحنًا يُردد، بل هي وثيقة عشق صادقة، شهادة حب يوقعها القلب قبل اللسان، إنها لسان حال كل من سمع عن الحبيب المصطفى ولم تكتحل عيناه برؤيته، لكنها رأت نور سيرته، وعاشت على أمل اللقاء، هي وعدُ كل مُحبٍّ صادق أن المسير إلى المدينة هو المقصد، وأن الشوق لا يُطفئه إلا الوقوف عند باب الرحمة، حيث الحبيب الذي وصفه الله بقوله: “وإنك لعلى خلق عظيم”.

إعلان

النصر نيوز

المدير العام ورئيس التحرير:     ام النصر محمد حسب الرسول

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى