
منذ العام ٢٠١٩ م تتلبد سماءُ السياسة السودانية بغيوم العمالة و الارتزاق ، يشلع برقُها و تتعالى رعودُها ، فتمطر قحتاً و تتقدم تراجعاً و تنهزم صموداً ، هذه الغيوم التي لا تهتم بحال الشعب السوداني ، بل تتفنن كل حين و آخر في دعم من يريد قهره و سرقة سيادته ، نحن اليوم نرى و نسمع إرهاصات تلك القوى السياسية العميلة و هي تهدد و تتوعد بتكوين حكومة موازية، مما جعل البعض يتواصل معي بل و يستكتبني في هذا الأمر ، و لأني دوماً لا أتمحور في المشكلة ، بقدر ما أبحث عن الحل لها ، فلن تروا في مقالي هذا شجباً او انتقاداً لهؤلاء الحثالة ، متسولي الحكم ، بائعي الوطن عديمي الشرف و الأخلاق و الوطنية ، فقلمي و مدادي أشرف من أن أبذله فيهم و عنهم ، لذلك سأدلف إلى رؤيتي في الحل ، فإن أصبت فحمداً لله و شكراً و إن أخطاتُ فأعذروني فإنما هو حرصي و إشفاقي ..
بالنظر و المتابعة لمسيرة هؤلاء العملاء يقيني الكامل أن محطة نيروبي لن تكون محاولتهم الأخيرة ، هم و من يدعمهم من دولٍ ما، لم نقطع عليهم الطريق ، الشعوب المتوكلة على ربها هي وحدها من تصنع التاريخ و وحدها من تقرر مصير اليوم و ملامح الغد ، و هي التي تصنع مستقبلها ، بصدق إيمانها و توفيقاً من الله و وحدة صفها ، فقدرة الدول على التدخل في شؤون الآخرين مرتبطة بإرادة ذلك الآخر ، بل تتناسب عكسياً مع هذه الإرادة ، لذلك نجد أن الشعوب المؤمنة ذات الإرادة الصلبة تقفل المجال أمام التدخل الأجنبي في شؤونها ، و الشعوب ذات الإرادة المتهاوية الميتة لن تملك القدرة و لا المقدرة على تحصين نفسها، فيجد العملاءُ و التدخل الأجنبي مرتعاً لهم بارتياح ..
تمر بلادُنا بمرحلة فاصلة في تاريخها ، و لن تنضج هذه المرحلة إلا إذا استثمرنا في اللُّحمة الوطنية و وجَّهنا و وظَّفنا الإرادة الشعبية التوظيف المناسب و الصحيح ، لصناعة المستقبل السياسي ، بناء على الثوابت الوطنية و المبادئ الأساسية و القيم التي تربط أفراد المجتمع و تجمعهم تحت راية واحدة دون استثناء بلا عنصرية و لا طبقية ، يقدم فيها الجميعُ مصلحة الوطن على نفسه ، نقترح و ندعو لإنشاء حزب وطني جامع لكل الإرادة الوطنية الشعبية و المجتمعية و الأهلية و الطرق الصوفية و كل سوداني ينبض قلبه بحب هذا الوطن ، من أجل إعادة الحياة و الأمن و الاستقرار و الأمان و التنمية المستدامة و الإعمار ، فالثوابت الوطنية لا تكفي بأن تكون جامدة مستقرة في الضمائر فقط و لكن لا بد أن تُترجم إلى فعل سياسي يجسدها على أرض الواقع، محروسةً بدستور دائم يُجنب برقابة القانون ضعفَ الفرد و مطامعَه و أهواءه الشخصية ، فإنّ قيمة أي دستور أو أي ميثاق أو أي عهد ، لا يكمن فقط في قوة مبادئه أو نصوصه أو معانيه فقط ، و إنّما في قوة الالتزام به ، تصحبه إرادة شعبية قوية مؤمنة متوكلة على الله معتصمة بحبله المتين ..
حينها فقط سنكفُّ أيدي أعدائنا و سنكسر شوكة العملاء و الخونة ، و تطرد رياحنا سحائب عمالتهم و تنقشع عن سمائنا غيومهم و تشرق علينا شمس النهضة و الإعمار ، فيخضرُّ الزرعُ و يمتليء الضرعُ و يكثر الخيرُ و يقوى العودُ و نرفل في خير و أمن و أمان ..