
بعد وفاة والده ارتحل الصبي محمد احمد المهدي مع والدته واخوته من شمال امدرمان الى الخرطوم ليعيشوا في كنف خاله احمد شرفي ، و لعل منزله كان في حي المراكبية غرب الاسكلا (قاعة الصداقة الآن ) و اغلب سكانه من الدنقلاويين العاملين في المراكب النهرية .
درس المهدي الكتاب في الخرطوم وجلس لعلماء الفقه ، و حين شب أصبح و اعظا و خطيبا .
حينها كانت الخرطوم خميلة ظليلة منسقة الحدائق جيدة التخطيط ، يتصدرها قصر الحكم ورئاسة المديرية و الشرطة و القلم الافرنجي ( مخابرات و مكافحة عملاء و جواسيس ) و قيادة الجيش و ترسانة الأسلحة و مكتب البريد و التلغراف ( البوستة ) ، و المستشفى و السوق الافرنجي و العربي و المسجد العتيق و ارباب العقائد و الكنائس و الارساليات الكنسية.
كانت في الخرطوم عدة قتصليات منها البريطانية و الفرتسية و النمساوية و الايطالية و البلجيكية وا لامريكية ، و كان القناصل يشكلون مجلس شورى الحاكم العام .
الأحياء السكنية متعددة الأسماء و اول ماشيد منها حلة موسى و الحي القبطي وكان الحي الارقى و ضم القنصلية الأمريكية و ربما كان ذلك سببا لاختيار القبطي عازر عبد الملك قتصلا للولايات المتحدة الأمريكية و عمله الأول ارتبط بتجارة الصمغ العربي في مدينة الأبيض ، وحي الحكمدارية و ساكنيه من كبار موظفي الدولة ، و الحي الانجليزي شرق شارع ألمك نمر حاليا ، و الحي الافرنجي بين شارعي القصر و المك نمر و تقطنه جاليات إيطالية و اغريقية و يهودية و سورية و لبنانية ، و حي المسجد العتيق ، و حي اوردو او العسكري، و الثكنة او الباراك ، و الترس ( المقرن حاليا ) اما المقرن القديم فكان في موقع منتزه المقرن العائلي الحالي و جل سكانه من المزارعين و العمال ، و أحياء المراكبية و الطوبجية و سلامة البيه او الباشا و هبوب ضرباني ، اما حي بري المحس فكان في موقع حي قاردن ستي الحالي .
كان المهدي يعرف الخرطوم معرفته لذاته ، لم يكن بيده حيلة ليغير المنكرات و منها معاقرة الخمور البلدية مثل العرقي و المريسة و المستكا الاوروبية و كل ممارسات لا أخلاقية ، كان يوقن أن الله يزع بالسلطان ما لايزع بالقرآن .
حسمت قوات النجومي و ابوقرجة معركة الخرطوم في ساعتين حيث بدأت في الخامسة صباحا و انتهت في السابعة من ذات الصباح ، لم تجد القوات غير عسكر غردون من اجانب و سودانيين قتل غردون و جز راسه بينما ذبح القنصل الامريكي/ عازر عبد الملك وقتصل النمسا / مارتن هارتسل و كبار رجال الدين الإسلامي الرافضين للثورة و مهدية المهدي و قادة دواوين الدولة و الجيش ،، اما الاغلبية فاخفت نفسها في الخنادق و السراديب و خرجت مسلمة انفسها بعد ثلاثة أيام، بعضهم اعدم و البعض سجن او جلد بينما أسر 5 آلاف مصري و سبيت النساء الاجنبيات خاصة ، سبية المهدي/ فرانشكا الدورو زانو فلانتيني إيطالية من صقلية منتمية لتنظيم المافيا هي التي دست السم في فم المهدي وتسببت في و فاته بعد ان حكم البلاد لستة شهور لاغير .
د. طارق محمد عمر .
الخرطوم في يوم الأسد 26 يناير 2025 ، يوم فتح الخرطوم .