
هو الفاتح الجيلي احمد المصباح حفيد الشيخ / محمد ود مدني السني مؤسس مدينة ود مدني ووالدته بتول حاج أحمد عبد الرحمن من مواليد أمدرمان حي ابوروف واصولها من المحمية بولاية نهر النيل .
والده كان يعمل صائغا للذهب بسوق الصياغ ثم تحول لتجارة المواد الغذائية بودمدني . االفاتح ولد في حي ابوروف الامدرماني في 28 مايو 1941 .
درس المرحلة الأولية بمدرسة البندر و الوسطى بالاهلية أمدرمان ثم مدني الثانوية .
في العام 1960 التحق بمدرسة البوليس بحي بري ( كلية الشرطة ) و تخرج فيها برتبة ملازم ثان في العام 1962 .
لاغراض التدريب العملي تنقل بين عدة أقسام ثم عمل ببوليس الدويم على النيل الأبيض فجنوب السودان .
تم الحاقه ضمن بعض الضباط بجهاز الأمن العام التابع لوزارة الداخلية وتلقى تدريبات داخلية على أعمال الأمن ونال دبلوما في معهد المباحث بدولة الهند وهي إحدى وجهات ضباط أمن السودان قبل الاستقلال ، ثم نال دبلوما في معهد البوليس الدولي بواشنطون .
ودبلوم كلية القادة والاركان واكاديمية نميري العسكرية العليا .
ارجح انه عمل تحت قيادة اللواء/ عبد الرحمن محجوب ( محسي من شمال السودان عاصر المستعمر ، يتحدث الانجليزية بطلاقة ولايجيد العربية ) ثم زيادة ساتي فالفريق/ عبد الوهاب ابراهيم سليمان واللواء/ خليفة كرار بله واللواء / كمال حسن أحمد ، جميعهم من اعلام الأمن .
عاصر كثير من الأحداث منها حل الحزب الشيوعي 1965 وانقلاب 25 مايو 1969ومذبحتي الجزيرة ابا وود نوباوي واتقلاب هاشم العطا ومذبحة بيت الضيافة ، وعملية أيلول الأسود الفلسطينية بمقر السفير السعودي بالخرطوم سنة 1973 والتي قتل فيها السفير الأمريكي ومندوب المخابرات الأمريكية وآخرين ، وانقلاب المقدم / حسن حسين 1975 ،ثم احداث 2 يوليو 1976 التي انطلقت من ليبيا القذافي .
وعمل مديرا لمكتب وزير داخلية السودان .
في العام 1977 اصبح مديرا لإدارة التدريب في جهاز الامن العام برتبة عميد .
اختير ممثلا لجهاز الامن العام في لجنة دمج الامن العام والقومي في جهاز واحد باسم أمن الدولة ذلك في العام 1978 .
ثم التحق بخدمة جهاز أمن الدولة بعد ضم جهازي الأمن العام والقومي ، فعمل تحت قيادة اللواء / عمر محمد الطيب ، بادارة الأمن الداخلي وهي امتداد لعمله في الأمن العام .
وقعت عدة احداث في تلك الفترة اهمها انقلاب الاب / فيليب عباس غبوش 1984 ، و نشاط اللجان الثورية الليبية ، وحزب البعث ومخططاته للعنف والانقلاب العسكري ، ثم النشاط المتصاعد للمعارضة ومخابرات الكنائس ثم الانتفاضة الشعبية .
تدرج في الرتب والمناصب حتى أصبح مديرا للامن الداخلي بدرجة وزير دولة أواخر عهد حكومة النميري .
تمتع بثقافة عالية في المجالات التاريخية والسياسية والمجتمعية وحفظ القوانين عن ظهر قلب ، قارئ نهم للصحف والمجلات ، هادئ الطبع .
كان يختار ضباط الجهاز لمرافقة الرئيس نميري في رحلاته الخارجية وجولاته الداخلية .
بعد الانتفاضة و اعتقال عضوية جهاز أمن الدولة في سجن كوبر والتحقيق معهم ثم ثبوت براءتهم غادر الفاتح الجيلي إلى قطر مستشارا بوزارة الداخلية ( ان شجرة السودان تلقي بثمارها في الخارج – الروائي والاديب العالمي / الطيب صالح ) .
عاد الفاتح الجيلي الى البلاد فعين محافظا لمحافظة الجزيرة ثم رئيسا للهيئة التشريعية لولاية الجزيرة .
عندما صدر قرار بتعيينه مديرا للامن الخارحي في العام 2000 خلفا للفريق د .قطبي المهدي ، التقيته بمقر إقامته المؤقت بفندق قصر الصداقة للتعرف عليه والوقوف على رؤيته للعمل الخارجي خاصة ان معظم خبرته كانت في شؤون الأمن الداخلي.
لم أجد لديه تصورا جاهزا وكان في انتظار الاستلام والاطلاع على الملفات .
وجدته ملما باختراقات عديدة تعاني منها مؤسسات البلاد بما فيها القوات النظامية والاجهزة الأمنية ، والجهات الداخلية و ذات البعد الخارجي التي تقف خلف هذه الاختراقات .
وكان اللواء / الهادي عبد الله مدير الأمن الداخلي قد استدعاتي ليلا إلى مكتبه وناقشني في طبيعة ومصدر الاختراقات التي يكابدها النظام ومؤسساته ، كان يستمع لي بكل حواسه فاغرا فاه و كاد ان يسقط من على كرسيه من هول ما سمع .
والفاتح الجيلي مستمع جيد ومحاور لبق واثق من نفسه ورايه واضح في الصواب والخطأ اي انه لايخشى في الحق لومة لائم وناصح كريم .
بعد توليه قيادة الأمن الخارجي لاحظت انه رجل إداري مكتبي باعتبار خلفيته الشرطية حيث التدريب الموحد والادراك القانوني والمسؤولية المحددة ، وهذا لم يتوفر في جهاز الامن الذي ضم عسكريين من الشرطة والجيش والاستخبارات وعناصر أمن قومي وأمن عام وأمن دولة ومدنيين كثر وبالتالي كانوا في حاجة لمتابعة دقيقة .
يبدو لي ان اختياره لإدارة الأمن الخارجي لم يكن موفقا كونه خبير في الأمن الداخلي ، ولو أسندت اليه حقيبة الأمن الداخلي لابدع .
الاوضاع السياسية حينها كانت مضطربة بعد انشقاق الاسلاميين بين قصر ومنشية ( في رأيي كانت مسرحية سياسية ) .
كذلك حدث تدهور في ميزانية الدولة فحدث تقليص للممثليات الخارجية ومن ضمنها 12 محطة تتبع للجهاز .
واشتدت الضغوط الأمريكية الاوروبية على الرئيس البشير لاقالة الاسلاميين والكفاءات من السلطة والقوات النظامية والامن الداخلي والخارجي ، وتشريد أبناء العاصمة الخرطوم من جميع الوظائف الخدمية .
كذلك خدع عميل أمريكي الرئيس البشير بتكوين جهاز للامن الخارجي داخل الجيش ان هو شرد عضوية الجهاز ، وقد كان ، لكن العميل عمل بعد ذلك على اضعاف الجهاز الذي بنى داخل مؤسسة الجيش حتى تلاشى .
كل ذلك القي بظلاله على حقبة الفريق الفاتح الجيلي .
بعد تقاعده عمل مديرا لمركز المعلومات القومي التابع لمجلس الوزراء ، ثم رئيسا لمجلس إدارة وكالة السودان للانباء ( سونا ) ورئيس لمجلس إدارة منظمة متقاعدي جهاز الامن ( آمنون ) .
قدم عديد المحاضرات في أكاديمية الشرطة العليا واكاديمية المخابرات العامة السودانية ، وجامعة نايف للعلوم الأمنية في السعودية .
بعد هذه السنوات الطوال في خدمة البلاد شيد منزلا متواضعا لاسرته بالحاج يوسف في وقت شيد فيها صغار الضباط البنايات الشواهق !! .
وهذا يشهد له بالأمانة والنزاهة والترفع عن المال العام .
توفي في مصر التي غادر اليها بالبر مستشفيا بعد معاناة من المرض ذلك في 13 يناير 2024 .
رحمه الله واحسن اليه .
د. طارق محمد عمر .
الخرطوم في يوم الخميس 7 أغسطس 2025 .