أخبار السودان

الذكرى 139 لاستقلال السودان الأول

د.طارق محمد عمر

في مثل هذا اليوم من العام 1885 اكمل المهدي وقواته 11 شهرا من حصار خرطوم غردون ، دار فيها سجال استخباري محموم لم يشهد السودان له مثيلا .
كانت لحكومة غردون 13 وابورا نهريا منها البوردين والمنصورة والصافية والتوفيقية وتل حوين ، كانت تمخر عباب النيلين الأبيض والأزرق والنيل الرئيس لجلب الغذاء وحطب الوقود وتقصي اخبار المهدي وتحركات جيشه ومناصريه، وتستطلع الرأي العام وتقصف من مدافعها اية تجمعات مناوئة .
غردون ضابط استخبارات بريطاني متمرس ، تعمد إرسال خطابات بالإنجليزية والفرنسية إلى المهدي المعسكر بمنطقة السلاح الطبي الآن بامدرمان ليترجمها الأسير /رودلف سللاتين ( سلاطين باشا ) وهو نمساوي عمل باستخبارات المستعمر قبل تعيينه مديرا لمديرية دارفور حيث أسر .
تلك الخطابات ضمنها غردون استعلامات استخبارية عن المهدي وقواته وتسليحه ، فكان سلاطين يضمن خطابات المهدي اجابة مطلوبات غردون .
شيد غردون عدة طوابي عسكرية استخبارية ربطها هاتفيا بالقصر الجمهوري باسلاك تحت مياه النيلين ، شمال منطقة السلاح الطبي وحي المقرن القديم مكان منتزه المقرن العائلي الحالي، واسفل كبري النييل الأزرق غربا وفي الصبابي والحلفايا وشرق النيل ، وحال تعطل الهاتف اوقطع السلك الموصل يتم اللجوء للغة الاشارة الضوئية ، امرأة شايقية كانت تعمل مع استخبارات غردون تعبر النيل سباحة كل ليلة لتستطلع معسكر المهدي صباحا وتعود بعد المغيب ، وتدلف إلى القصر ولم تزل مبتلة فتطلع غردون بما شاهدت وسمعت .
كان لاستخبارات المهدي مصادر معلومات داخل الخرطوم ترفدها بالمعلومات واغلبها من صائدي الأسماك الذين يجوبون النيل الأبيض بقواربهم وينتقلون من ضفة إلى أخرى دون أن يرتاب فيهم احد .
كذلك يستقون المعلومات من الأسرى الذين يخطفونهم من الخرطوم .
ما ان أدى المهدي صلاة العصر في مثل هذا اليوم حتى التقى شاب قدم من المتمة عللى ظهر ناقة ليخبره بقدوم جيش بريطاني مصري لإنقاذ غردون .
بعد صلاة العشاء عبر المهدي وبعض مساعديه النيل الأبيض بااتجاه منطقة الشجرة حيث يعسكر الأمير/ عبد الرحمن النجومي بقواته ، طلب منه إرسال من يخبر الأمير/ محمد ابوقرجة بالحضور فورا ، ابوقرجة كان معسكرا بقواته في منطقة بري المحس القديمة قاردن ستي حاليا ، وهو خبير في القتال حيث كان مقاتلا في جيش الزبير باشا قبل المهدية ، ومن حزمه كان الناس يقولون : اب قرجة وابور انجليز ما بدور هرجه .
عقد ثلاثتهم اجتماعا شهده كبار القادة وسالهم : اتبايعونني على الموت ؟ فقالوا : بايعناك .
اخبرهم بأن نجدة غردون على مشارف الوصول ولابد من اقتحام الخرطوم فجرا وطلب من القادة اطلاع جنودهم وامرهم بالاستعداد .
عقب صلاة صبح اليوم التالي ( 26 يناير 1885 ) وقف الإمام المهدي واستل سيفه من الجفير ولوح به في الهواء ثلاثا ، مصحوبة بثلاث تكبيرات ، الله اكبر ، الله اكبر ، الله اكبر ، هيا إلى الجهاد هيا الى الخرطوم ، افلح ابو قرجة وقواته في عبور خندق مائي بعرض 9 متر وعمق 3 امتار ،مغمور بماء النيلين الأبيض والأزرق ، وتحت الماء كرات اسمنتية بها مسامير حادة تسمى الضريسة .
اما النجومي وقواته فقد عبروا القناة من خلال مساحة انحسر عنها النيل الأبيض.
لحظة الاقتحام فر ضباط مصريون كبار من الخرطوم على ظهور الخيول ،بعد ان امروا الحرس بفتح البوابات الجنوبية اعلى جسور شيدت فوق القناة ، وجلهم كانوا موالون للمهدي واعضاء في تنظيم ثورة عرابي المصرية.
القوة التي اقتحمت القصر وقتلت غردون كانت تتبع للامير ابوقرجة .
مثلما تم ذبح القنصل الامريكي / عازر عبد الملك وهو من اقباط السودان ، ذلك لنشاطاته التجسسية .
د . طارق محمد عمر .
الخرطوم في يوم السبت 25 يناير 2025 .

النصر نيوز

المدير العام ورئيس التحرير:     ام النصر محمد حسب الرسول

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى